احمد المرشد
لم نكن نحن البشر في هذا الكوكب الذي نعيش فوقه في حاجة الى مشكلات مناخية وبيئية مثل ظاهرة الاحتباس الحراري، ويكفينا مشاكلنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحروب المدمرة التي تشهدها بقاع عديدة على كوكب الارض الذي تزداد درجة حرارته بسبب هذه الظاهرة التي يبدو انها ستستمر طويلا بفعل الثورة الصناعية الغربية. فكل قارات العالم تقريبا تتعرض لمشكلات وهموم عديدة، وكل مشكلة منها كفيلة بان تجعلنا ننتفض فزعا وخوفا من اثارها المدمرة. ولم تكن هذه الظاهرة وحدها التى تؤرقنا، فيضاف اليها ما يحيق بنا من مخاوف اخرى بشأن حرب محتملة نقرأ سيناريوهات بصورة شبه يومية في التقارير العالمية. هذه الحرب تتعلق ربما بحرب كونية جديدة تكون ايران احد اطرافها، اما طرفها الرئيسي الاخر فهو معروف سلفا، واقصد تحالف يضم الولايات المتحدة واسرائيل ودول الاتحاد الاوروبي وربما دولا اخرى من قلب الاقليم. هذا الاقليم المظلوم الذي تعيش دوله وبلدانه وشعوبه مأساة يومية، ويكفي ان يتصفح المرء صحيفة واحدة يومية، ليكتشف ان المنطقة التي نحيا فوقها ليس بها ما يسر الانسان، بل فقط كل ما يغمنا .. فحرب هنا، وتلاسنات سياسية هناك، وتهديدات بالقضاء على جماعة سياسية على يد جماعة اخرى منافسة.. وتهديد تصدر من تنظيم القاعدة بتدمير دولة او قارة او مجموعة شعوب بغض النظر عما اذا كان هذا يضر بسمعة الاسلام الحنيف ..والخ.
نعود للظاهرة التي تؤرق علماء العالم بقدر كبير لا يضاهيه للاسف قلقاً من قبل الساسة والحكام، فالظاهرة ببساطة شديدة كما تقول المراجع العلمية هي الزيادة التدريجية في درجة حرارة أدنى طبقات الغلاف الجوي المحيط بالأرض.. كنتيجة لزيادة انبعاثات غازات الصوبة الخضراء منذ بداية الثورة الصناعية. وتتكون معظم غازات الصوبة الخضراء من بخار الماء، وثاني أكسيد الكربون، والميثان، وأكسيد النيتروز والأوزون.
ويتفق العلماء على ضرورة العمل للحد من ارتفاع درجات الحرارة قبل فوات الأوان وذلك من خلال معالجة الأسباب المؤدية للارتفاع واتخاذ الاجراءات الرسمية في شأنها على مستوى العالم بأكمله، لأن مزيدا من الغازات المسببة للاحتباس الحراري على مستوى العالم يؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة. ويحذر الباحثون في مجال البيئة من المشكلات البيئية، فالفيضانات التي اجتاحت مناطق شاسعة من العالم في السنوات القليلة الماضية، تؤكد ان العالم يقف على شفير الهاوية، وأن مساحات شاسعة من كوكبنا ستكون عرضة لارتفاع منسوب البحر. فالكرة الارضية ستفقد الكثير من الاراضي الصالحة للزراعة، و خاصة في الدول الاسيوية التي تعاني من المجاعات والامراض والتخلف، و ذلك لان منسوب البحر مع نهاية القرن الحالي سيرتفع بمعدل يتراوح بين نصف متر و متر واحد.
ولذا .. يطالب العلماء بالخفض السريع والفعال لنسب انبعاث غازات الصوبة الخضراء وأهمها ثاني أكسيد الكربون الذي يمثل نسبة 63% من هذه الغازات، وذلك عن طريق زيادة استخدام الطاقة النظيفة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في إنتاج وقود نظيف بدلا من استخدام الوقود الحفري. خاصة وإن نسب استخدام تلك الطاقات النظيفة لا يتعدى 2% من إجمالي الطاقات المستخدمة حاليا، وهذا يستدعي تغييرا جذريا في نمط الحياة التي تعودها الإنسان.
ولنا ان نتساءل نحن الشعوب التي تضررت من هذه الظاهرة، ومنها على سبيل المثال:laquo; من يحمي مستقبل دولنا واقليمنا من هذه الظاهرة المخيفة؟.. خاصة وان الدول الصناعية ترفض التدخل لحلها وتكتفي بعقد المؤتمرات والقمم مثل قمة المناخ الاخيرة في كوبنهاجن. فهذه الدول ترفض التصدي للظاهرة. فدولة مثل الولايات المتحدة تليها الصين ومن ثم دول كبرى أخرى تتصدر مسؤولية انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري من مصانعها.. كما ان هذه الدول ترفض البحث عن بدائل طاقة نظيفة، لان هذا يتعارض مع احتكاراتها النفطية حول العالم واستغلالها النفط كسلاح اقتصادي في التدخل بسياسات العديد من دول العالم. وكثيرا ما نقرأ عن السيارة الكهربائية او التي لا تعمل بالوقود، ثم نفاجأ بان هذا مجرد نموذج غير قابل للتطبيق او الانتاج على مستوى تجاري بحيث يحقق ارباحا للشركة المنتجة. يضاف الى هذا ان الدول الصناعية الكبرى هي الدول المنتجة للاسلحة المدمرة الى جانب اسرائيل، وان كل هذه الدول مجتمعة تخضع اراضي غيرها لتجريب انتاجها من مثل هذه الاسلحة الفتاكة، وليس من المحرج ان نسمي الولايات المتحدة واسرائيل تحديدا فى هذا المضمار. فحرب غزة الاخيرة شهدت انواعا من الاسلحة الامريكية الفتاكة استخدمها الجيش الاسرائيلي خلال هذه الحرب المفزعة، لتجريبها في اجساد الفلسطينيين الابرياء من الاطفال والنساء والعجائز.
وهنا.. يمكن القول بان السبب الرئيسي في ظاهرة الاحتباس الحراري ربما لا يرجع الى الطاقة وثاني اكسيد الكربون خلافه، بل ربما يعود الى جشع الدول الصناعية الكبرى وطمع الانسان وحبه للسيطرة على ممتلكات الاخرين. ولهذا نقول، ان الظاهرة لو اردنا علاجها بشكل ناجع، فعلينا قبل تنظيم المؤتمرات الدولية والخروج بتوصيات لا ولن يكتب لها النجاح، ان نكبح جماح رغبات الإنسان لتبدو منطقية، وهذا الحل هو سبيلنا لتخفيف اثار هذه الظاهرة الكارثة. فالدول الصناعية صارت هي الخطر الحقيقي الذي يهدد هذا الكوكب بدلا من ان تكون دولا تسعى للتقدم الحقيقي للكوكب، وإن كانت الضريبة التي يجب على هذا الكوكب أن يدفعها مقابل تقدمه صناعيا هو فناؤه, فالأفضل أن نشتري المستقبل بكبح جماح الدول الصناعية الكبرى من أجل شراء المستقبل بطريقة أكثر إنسانية. ولكن كيف؟!
اذا .. هو النشاط الاقتصادي للغرب في مراحل الرأسمالية المتعاقبة والمتسارعة من اجل ترسيخ فكرة المجتمع الاستهلاكي واستنزاف الموارد الطبيعية لشعوب العالم كلها لتحقيق ذلك. فالغرب نجح عبر laquo;فكر العلمانية الماديةraquo; في تكريس فكرة laquo; المجتمع الاستهلاكيraquo; . وهنا تحولت قضية الاحتباس الحراري من الجانب الفني العلمي البحت الى قضية سياسية بامتياز لأنها أصبحت ناجمة عن فكر ونظام سياسي معين محدد وليس عن سبب طبيعي لايد للبشر فيه أو سبب يعود الى النشاطات الإنسانية الضرورية التي لامحيص عنها. وهكذا سيستمر الصراع بين الفقراء والاغنياء فوق هذا الكوكب، فبعدما خضعت دول العالم الثالث للاستعمار الغربي لعقود كثيرة، عادت الدول الصناعية لتجبر مستعمراتها السابقة على دفع فاتورة الثورة الصناعية، حيث ترفض الدول الصناعية سداد هذه الفاتورة، ليستمر الصراع بين الطرفين.
ويكفي ان نشير الى ان الدول الغربية التي كانت أول من تسبب بعملية الاستهلاك الرهيب لمصادر الطاقة التي سخنت الكوكب، هي أول من يشكو الآن من الاحتباس وتدعو لعلاجه وتجنب آثاره. ولكنها تلقي بالمسؤولية الآن على الدول التي يمكن تسميتها بالصاعدة مثل الصين والهند واندونيسيا وروسيا وبعض بلاد أمريكا الجنوبية الكبرى مثل البرازيل.
التعليقات