خليل علي حيدر

عاد quot;حزب التحريرquot; الإسلامي من جديد، في فترة موسمية له، من لبنان ولندن هذه المرة، بعد إندونيسيا في مرة سابقة، عندما ألقت أجهزة الأمن اللبنانية القبض مؤخراً، كما جاء بالصحف في يوم 15 نوفمبر 2010، على الداعية المتطرف quot;عمر بكريquot;، 50 عاماً، في طرابلس بلبنان، والتي فر إليها عام 2005، بعد غياب دام 35 سنة. وكان بكري المعروف بتأييده لاعتداءات 11 سبتمبر 2001، قد أعلن عقب اعتداءات لندن، أنه لن يسلم إلى العدالة مجموعة إسلامية تَعِدُّ لتنفيذ اعتداءات. واعتبر بعض الزعماء، مثل البريطاني جون ميجور والروسي فلاديمير بوتين والباكستاني برويز مشرف، quot;أهدافاً مشروعةquot; للاعتداء، وإن كان قد نفى ارتباطه بتنظيم quot;القاعدةquot;.

وكان بكري قد صرح بعد صدور حكم السجن المؤبد من قبل القضاء اللبناني عليه، بأنه بريء، وأضاف، quot;أنا لا أسلم نفسي لأي محكمة لأنني لا أؤمن بالقانون في بريطانيا ولا في لبنان. إن قبضوا عليّ فهم أحرار، لكنني لن أذهب بقدمي إلى المحكمةquot;. وكان بكري كما جاء في الصحف، من الخطباء الذين يبشرون في خطبهم دوماً، بأن quot;حلم الخلافة سيتحقق في رمضان المقبلquot;، وquot;الصلاة في المسجد الأقصى العام المقبلquot;، بل إنه كان يزيد بالقول quot;إن عَلَم الخلافة سيرتفع فوق سارية قصر باكنجهامquot;. وكان الشباب يسمعون ذلك فيصدحون بالتكبير بصوت جماعي يهز جنبات القاعات quot;الله أكبرquot;، في مشهد درامي، ضمن خطب رنانة لغسيل الدماغ في جامعة لندن، لطلبة صغار السن بهدف الاجتذاب والتجنيد في الحلقات الأصولية، وكأن الخلافة أو استرداد الأقصى سيحدث غداً.

نشرت quot;الشرق الأوسطquot; يوم 2 أكتوبر2010، مقابلة مهمة أجريت في لندن، مع قيادي سابق في quot;حزب التحريرquot; كان يعرف quot;عمر بكريquot; عن قرب، واسمه quot;محمد حسينquot;، ويطلق على نفسه اسم quot;إدْ حسينquot; اختصاراً! إدْ حسين بريطاني من أصول بنغالية، قالت الصحيفة إنه quot;انتقل من خندق الأصوليين معلناً الحرب على الجهاديينquot;، وأنه بالتعاون مع الحكومة البريطانية وآخرين تركوا الحزب، قاموا بتأسيس quot;منظمة كويليامquot; المناهضة للمتشددين الإسلاميين، الذين، كما قال، quot;يعيشون حياة اجتماعية حديثة، لكن أفكارهم السياسية متطرفةquot;.

تتلمذ quot;إدْ حسينquot; على كتابات الباكستاني أبو الأعلى المودودي وسيد قطب وتقي الدين النبهاني، القاضي الشرعي والمدرس الفلسطيني، الذي أسس quot;حزب التحريرquot;، خلال الأعوام 1951-1953 في مدن الضفة الغربية بفلسطين، وامتد نشاط الحزب بعد ذلك إلى الأردن وسوريا ولبنان وغيرها. وقد رفضت وزارة الداخلية الأردنية الموافقة على طلب ترخيص الحزب المقدم في نوفمبر 1952، ثم رفضت طلباً ثانياً بعد ذلك بشهرين.

عمل البريطاني - البنغالي quot;إدْ حسينquot; مع الحزب ثلاث سنين، ويقول إنه لم يطالع كل كتب الحزب. ويقول الباحث بشير موسى نافع quot;إن أغلب الكتابات الأساسية لحزب التحرير قد سُجلت في سنوات الخمسينات، ولم تتعرض في طبعاتها التالية إلا لبعض التغييرات اليسيرةquot;.

والمشهور عن الحزب في كتبه ومنشوراته أنه يفسر معظم التطورات السياسية في العالم الإسلامي وفق صراع تآمري بين الإنجليز والأميركان، مع شيء من التدخل، يقوم به الملاحدة الروس الشيوعيون.

وُلد حسين عام 1975 في منطقة quot;تاور هاملتquot; شرق لندن، وسرعان ما انخرط كمراهق في النشاط الأصولي، مما دفعه إلى الصدام مع والديه وجعله يهرب من البيت لفترة من الوقت. وفيما كان والده متديناً معتدلاً يرتل القرآن يومياً لأكثر من ساعة بعد صلاة الفجر، كان حسين، كما يقول، quot;مع عناصر الحزب بعيدين عن الصلاة والعبادات ومشغولين بالأهم، وهو تعليق اللافتات على جدران المساجد والشوارع، التي كان مكتوباً عليها quot;اليوم البوسنة وغداً بريطانياquot;.

وإذا كان quot;إدْ حسينquot; ممن تتلمذوا على كتابات الداعية الباكستاني أبوالأعلى المودودي، فلا شك أنه قرأ بعناية كتيب المودودي المعروف quot;تذكرة دعاة الإسلامquot;، وهو مترجم ومطبوع بالعربية كذلك. في هذا الكراس يدعو مؤسس quot;الجماعة الإسلاميةquot; في باكستان، والأب الروحي لتيار التشدد والتكفير، ممن يلتحق بالدعوة إلى الانعزال والانفصام عن المجتمع الجاهلي والتمرد على الأهل والأصدقاء والمحيط! عليكم quot;أن تبدأوا الحرب فعلاً مع البيئة المحيطة بكمquot;. عليكم في هذه الجبهة المنزلية quot;أن تدخلوا في حرب مع أهل بيوتكم وأقربائكم وأصدقائكم وبيئتكم التي ترتبطون بهاquot;. وهي حرب لا ينبغي للداعية أن يخوضها بالتصارع وغلاظة القول والجدل العنيف، بل بالإصرار على ممارسة حياة مبدئية عقائدية يَنْفُذُ إزاءها صبر اللاملتزمين. ويضيف المودودي قائلاً: قد quot;يثور أزواجكم وأولادكم وآباؤكم وأمهاتكم وأقرباؤكم وأصدقاؤكم احتجاجاً على سلوككم، حتى تصبحوا غرباء بين ذويكم في دياركم وتكونوا كالقذى في العين أو كالغصة في الحلق في كل مكان تعملون فيه لكسب المعاشquot;. بل يجب أن تزهدوا في المناصب وquot;أن تبادروا إلى الحرب مع كل واحد من الناس على قدر قربه منكمquot;. وكان المودودي، كما يقول، يبتهج لدى سماعه أخبار مثل هذا التمردquot;.

وجد quot;حسينquot; نفسه داخل الحزب في نهاية الأمر، يقول: (كان عملي يتعلق بدرجة أكبر بالتجنيد ووضع الاستراتيجيات، خلال تلك الفترة، تحديداً بين عامي 1995-1998، كان نشاط حزب التحرير مقتصراً على بعض الجامعات، خاصة كليات الطب. إن المهمة الأولى التي اضطلع بها جيلي هي نقل quot;حزب التحريرquot; إلى quot;تاور هاميلتسquot;، أكثر مناطق بريطانيا كثافة من حيث أعداد السكان المسلمين. وعليه، كنت رئيس الجمعية الإسلامية بالكلية داخل quot;تاور هاميلتسquot;، وكنت مسؤولاً عن تقديم حزب quot;التحريرquot; لمسجد شرق لندن، أكبر مساجد بريطانيا).

ويضيف حسين: (كنا نؤمن بعودة الخلافة قريباً جداً، كنت في الـ17 أو الـ18 من عمري حينذاك، وكان والدي مهاجراً من الهند، ولم نكن على معرفة بعربquot;. وكان quot;عمر بكريquot; أول شخص عربي نلقاه. وعندما قال quot;بكريquot; إن كل منزل في لبنان به أعضاء من حزب التحرير. وفي عام 1994، عقدنا مؤتمراً ضخماً حول الخلافة داخل مركز quot;ويمبليquot; للمؤتمرات شارك به الكثيرون من مختلف أرجاء العالم، وتولد بداخلنا إيمان حقيقي بأن الخلافة على وشك العودة. واعتدنا القول إن الخلافة ستعود بحلول العيد القادم أو رمضان المقبل، إلا أن هذا لم يحدث قط. لقد كان حزب quot;التحريرquot; مجرد منظمة سياسية تدور حول النشاط السياسي والغضب والمواجهة، لكنها جوفاء من الداخل).

هل كان في حزب quot;التحريرquot;، طلبة عرب؟ نعم، يجيب حسين، (الكثير من العرب... وكانت تلك واحدة من نقاط الجذب الرئيسية بالنسبة لأمثالي للانضمام إلى حزب quot;التحريرquot;، وهو وجود الكثير من العرب، أو من اعتبرناهم quot;مسلمين حقيقيينquot;، لأننا كنا ننظر إلى أنفسنا دوماً كمسلمين من الدرجة الثانية، وأننا هامشيون، خاصة أننا لا نتحدث العربية. دارت الفكرة حول تجنيدهم لأغراض تنفيذ انقلابات عسكرية، وكانت هناك مساع لتجنيدهم وإرسالهم مجدداً لأوطانهم لتنفيذ انقلابات، إلا أنه في الوقت ذاته، خلف حزب التحرير -أو بالأحرى عزَّز بداخلي- الاهتمام بتعلم اللغة العربية الذي أثاره والدي فيّ، وشجعني على قضاء بعض الوقت في الشرق الأوسط، وهو أمر جيد، لأنك فيما بعد تُدرك أن العرب مثل أي أمة أخرى، وليس هناك أمر خاص يتميزون به)!

اشتهر quot;حزب التحريرquot; بين بقية الجماعات الإسلامية بحماسه الشديد للخلافة وقرب قيامها. بل آمن بذلك مؤسس الحزب منذ البداية. وقد سمعتها شخصياً في الكويت، فكأنها ستقوم غداً أو بعد غد. وذلك منذ أربعين عاماً! ويقول الباحث بشير نافع في كتابه الإسلاميون، quot;ظن النبهاني في البداية -ربما عام 1951- أن مشروعه لن يستغرق سوى عقد أو عقدين لتحقيقه، وهو ما استدعى كتابة دستور جاهز للدولة الإسلاميةquot;. سنرى فيما بعد تطور أحداث وتجربة quot;إدْ حسينquot;، ونطل من خلالها على تجربة حزب quot;التحريرquot;.