عبدالرزاق الصافي

حين نجح انقلاب السابع عشر من تموز/يوليو 968، الذي جاء بجناح البكر ndash; صدام في حزب البعث العربي الاشتراكي الى الحكم في العراق، لم يكن طارق عزيز من بين المعروفين البارزين بانتمائهم الى هذا الجناح. وقد استعان بأحد قياديي هذا الجناح ليعرض خدماته على الطاقم الجديد للسلطة. فكان ان قرّبه صدام حسين، الذي كان يسيطر على اعلام الحزب وجعله رئيساً لتحرير جريدة الثورة لسان حال الحزب. وذلك لمعرفته بامكانياته في مجال الاعلام التي برزت، بشكل واضح، في اعقاب انقلاب الثامن شباط/ فبراير 1968.
ومن موقعه في جريدة الثورة، وقربه من صدام حسين انتقل الى تولي وزارة الاعلام. وبعدها وزارة الخارجية التي ظل فيها فترة طويلة وصار نائباً لرئيس الوزراء وعضوا في مجلس قيادة الثورة المسؤول عن كل القرارات الخطيرة التي اسهمت في تدمير البلد واقتصاده وفي القضاء على حياة مئات الوف الابرياء من ابناء الشعب. واصبح واحداً من رموز النظام على الصعيد العربي والدولي. وهو الذي تولى مفاوضة جيمس بيكر وزير خارجية الولايات المتحدة الامريكية في جنيف في اعقاب الغزو الغادر للكويت، الذي تم بأمر من صدام، من دون علم حتى رئيس اركان الجيش العراقي يوم ذاك.
ولذا فهو بحكم مسؤولياته الحزبية والحكومية مسؤول عن الكثير من الجرائم التي ارتكبها النظام الدكتاتوري المنهار بحق الشعب والجيران والاشقاء. ولابد ان يكون هذا هو ما دفع المحكمة التي تولت محاكمته مع مسؤولين آخرين في النظام السابق الى اصدار حكم الاعدام بحقه.غير ان مسؤوليته لا تساوي مسؤولية مجرمين كبار في النظام المنهار، وفي مقدمتهم صدام حسين وعلي حسن المجيد وبرزان التكريتي وعدي وقصي ولدي صدام حسين، الذين نالوا جزاءهم العادل وذهبوا غير مأسوف عليهم. ولم يتشفع لبعضهم غير ايتام النظام المنهار. في حين ان حكم الاعدام الذي صدر على طارق عزيز في عز ازمة تشكيل الحكومة العراقية في اعقاب انتخابات السابع من آذار/ مارس هذا العام، استدعى تداعيات كثيرة. وشغل هذا الحكم مكانه في اوساط الرأي العام في الداخل والخارج. فقد اعلن رئيس الجمهورية جلال الطالباني انه لن يوقع على تنفيذ حكم الإعدام لأنه سبق وان انضم الى الحملة العالمية لإلغاء حكم الاعدام. علماً بأن توقيعه غير ضروري وفقاً لقانون المحكمة الجنائية العليا التي اصدرت الحكم. وفي الخارج كان ابرز من تدخل مطالباً بعدم تنفيذ الحكم بابا الفاتيكان بنديكتوس السادس وعدد من الساسة الاوربيين.
وبسبب من ذلك كان موضوع تنفيذ الحكم من عدمه موضع نقاش في الصحافة العراقية. ولوحظ ان عدداً من الكتـّاب ممن لا يمكن اتهامهم بالتعاطف مع النظام السابق، بل هم من اشد معارضيه، ابدوا وجهات نظر تقول بضرورة عدم تنفيذ الحكم انطلاقاً من عدم جدوى هذا التنفيذ في خدمة العراق الجديد، وضرورة وضع حد لمسلسل الاعدامات السياسية، بصرف النظر عن بشاعة الجرائم التي ارتكبها مسؤولو النظام السابق، دون ان يعني هذا عدم ضرورة الحزم ضد مرتكبي الجرائم البشعة التي ترتكب حالياً من قبل عصابات تنظيم القاعدة وايتام النظام السابق الذين يريدون إعادة نظام المقابر الجماعية والارهاب الوحشي والحروب العبثية ضد الجيران والاشقاء. ولعل كون طارق عزيز هو المسيحي الوحيد بين الذين حكموا بالاعدام من رموز النظام السابق يضيف عاملاً آخر لمبررات عدم تنفيذ الحكم بحقه، ارتباطاً بما حدث من جرائم الاعتداء البشعة على المسيحيين وكنائسهم تنفيذاً لمخططات اجرامية تريد إفراغ العراق من هذا المكوّن الأصيل في الفسيفساء العراقية، الذي اغنى ويغني الحياة العراقية في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والادبية والفنية، وضرورة بذل الجهود، ليس من قبل ابناء الشعب فقط، بل ومن قبل المسؤولين ايضاً وفي المقام الاول، لتطمين الاخوة المسيحيين وإحباط المخططات الشريرة التي تريد حملهم على مغادرة العراق.