محمد جابر الأنصاري

اعتاد الناس في العالم العربي أن يسمعوا من خلال إعلام الإثارة عن التهديدات المتبادلة بين الأطراف المعنية بمنطقة الخليج العربي بلغة المبارزات الكلامية . ولكن مؤتمر ldquo;حوار المنامةrdquo; الذي يدخل هذا العام سنته السابعة برعاية ولي عهد البحرين، ويشرف على إدارته بالتعاون مع وزارة الخارجية البحرينية المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية بلندن ldquo;I .I .S .Srdquo; يرسي نهجاً آخر في التفاهم بين تلك الأطراف التي يبلغ عددها الخمسة والعشرين كأطراف مسجلة في ldquo;حوار المنامةrdquo;، بتنظيم مدير المركز جون تشبمان الذي افتتح مكتباً خاصاً للمركز في البحرين .

والدليل على الحاجة إلى مثل هذا التفاهم المتحضر أن المشاركين في ldquo;حوار المنامةrdquo; لهذا العام كما أعلن عن ذلك الشاب المطلع النشط، الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة، وزير خارجية البحرين، قد ارتفع مستواهم وزاد عددهم حيث سيشارك فيه الملك عبدالله الثاني ملك الأردن ووزيرة الخارجية الأمريكية بالإضافة إلى وزراء الخارجية الخليجيين يتقدمهم الشيخ عبدالله بن زايد والشيخ حمد بن جاسم آل ثاني ووزير خارجية إيران فضلاً عن دول تمتد من استراليا إلى كندا مروراً بالهند وتركيا .

ومن المنتظر أن يتمخض المؤتمر الذي يبدأ يوم غد (الجمعة)، ولمدة ثلاثة أيام، عن مواقف وتوصيات ورؤى استراتيجية جديدة لأمن المنطقة الإقليمي، ومستقبل بعض دولها كاليمن والعراق، مختتماً مداولاته بنظرات متعددة في ldquo;الطبيعة المتغيرة لمستجدات الأمن الإقليمي في المشهد الدولي المتغيّرrdquo;، وذلك بعد أن يناقش مسائل مثل التعاون الإقليمي والدور الأمريكي فيه، هذا مع عدم إغفال مسألة ldquo;الضمانات والروادع الإستراتيجية في المنطقةrdquo; وrdquo;النزاعات الإقليمية فيها ودور القوى الخارجيةrdquo;، مروراً بالأمن البحري والتعاون الإقليمي لتأمينه في ظل التعاون العسكري بين بعض أطراف المنطقة .

ومن المقرر أن يلتقي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي عهد مملكة البحرين، في اليوم الأول، بالمشاركين المدعوين إلى ldquo;حوار المنامةrdquo; تأكيداً لاهتمامه واهتمام الدولة بانعقاد هذا الحوار الإيجابي الذي تسعى إليه مملكة البحرين وأشقاؤها الخليجيون والعرب، وأصدقاؤها الدوليون، وتستضيف فيه مختلف قوى الجوار، أياً كانت سياساتها، أملاً في دخولها المجتمع الدولي وخروجها من نطاق العزلة من أجل خليج مستقر ومزدهر تنعم شعوبه ومعها شعوب المنطقة جمعاء بالأمن والرخاء والتقدم .

وتعزيزاً لهذا التوجّه الاستراتيجي البحثي والفكري الذي يشجعه شخصياً ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة كجزء من مشروعه الإصلاحي، فقد شهدت البحرين مؤتمر ldquo;أمن الطاقة وإمدادات النفطrdquo; الذي ناقش آفاق التعاون بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي خلال الفترة بين 2010 2035م، من خلال تقريرين مركزين تقدم بهما الجانبان، بمشاركة وزارة الطاقة للولايات المتحدة، واتضحت الفروق بين مختلف المشاركين في النظر إلى مستقبل أسعار النفط والتأثيرات البيئية التي ترى أوروبا التقليل منها بفرض ضريبة الكربون على الدول المنتجة حيث لا ترى هذه الدول أنها المسؤولة عن ذلك . وأشرف على تنظيم هذا المؤتمر الباحث البحريني المتمرس الدكتور محمد عبدالغفار .

وعودةً إلى ldquo;حوار المنامةrdquo; الذي ستتابعه المنطقة ابتداءً من الغد، فإن أقل ما يمكن أن يقال فيه أنه ينعقد في فترة حافلة بالأحداث والاستحقاقات المصيرية والتي لها ما بعدها . فمن معالجة قضايا العنف والإرهاب المتمثلة في إعلان الداخلية السعودية عن اكتشاف خلايا غير نائمة , إلى جهود تشكيل الحكومة في العراق بعد انتخابات برلمانية مرت عليها عدة أشهر، وتحفظات لدول الجوار العربية بشأن الأطراف المشاركة فيها وغير المشاركة، إلى زيارة رئيس الحكومة اللبنانية إلى طهران في أول زيارة من نوعها، إلى مباريات كأس الخليج (20) في عدن . وهو حدث كروي لكنه لا يخلو من أبعاد سياسية تمس العلاقة المنتظرة طويلاً بين اليمن ودول مجلس التعاون الخليجي . والجدير بالذكر أن البحرين بالذات ترتبط عاطفياً وشعورياً بتلك الدورات الرياضية لأنها شهدت أولاها بعدما دعا إليها خالد الفيصل بن عبدالعزيز في عهد والده الملك فيصل، رحمه الله، تمهيداً لتثبيت استقلالها وعروبتها مطلع السبعينيات من القرن المنصرم، حيث كان للسعودية دور بارز في ذلك، إلى نتائج الانتخابات البرلمانية المصرية، إلى قرب الاجتماع المقرر بين إيران والدول الغربية بشأن ملفها النووي، إلى توتر الأوضاع بين الكوريتين اللتين تعكف إحداهما على تطوير مشروع نووي مشابه للمشروع الإيراني، في ظل تجاذب سلبي بين واشنطن وبكين قد لا يقتصر على شرق آسيا . . . الخ .

إن هذه القضايا تطرح على ldquo;حوار المنامةrdquo; ضرورة التوصل إلى رؤى جادة وعملية للخروج بالمنطقة من ldquo;عنق الزجاجةrdquo; التي يصنعها تداخل تلك الأحداث وتأثيراتها المتبادلة .

وأياً كانت نتائج ldquo;حوار المنامةrdquo; الذي لا نرجح اتفاقه على اسم الخليج، فالمنتظر الاتفاق، من حيث الجوهر، على مستقبل شعوبه واستقرار دوله وأمنها، لأن ذلك هو ldquo;بيت القصيدrdquo; والمطلب الأسمى لشعوبه ودوله .

إن مؤتمر ldquo;حوار المنامةrdquo; مرشح في تقديرنا إلى أن يرتقي إلى صيغة سياسية تعاونية عملية تبني جسور الثقة بين مختلف الأطراف المعنية بأمن الخليج العربي والشرق الأوسط .

منذ وقت غير بعيد دعا بول سالم وهو مدير مركز كارينغي للشرق الأوسط في بيروت إلى النظر في : ldquo;عقد مؤتمر إقليمي سنوي تستكشف فيه دول المنطقة العربية مع تركيا وإيران مصالحها المشتركة وتحاول أن تتعاون على تعزيزها . ويمكن أن ينظر مؤتمر كهذا في سبل بناء تعاون أفضل حول مسألة العراق وأزمات أخرى، والوصول إلى اتفاقات حول ضمان الانتقال الحر للطاقة بحراً وبراً، ومكافحة القرصنة والإرهاب والتهريب، والعمل باتجاه منطقة خالية من أسلحة الدمار الشاملrdquo; (الحياة: 25/11/2010م) .

واستشهد الكاتب المذكور بنجاح دول المعسكرين الغربي والشرقي، في أوج ldquo;الحرب الباردةrdquo;، عام ،1975 في إقامة مؤتمر الأمن والتعاون الأوروبي الذي كان له أطيب الأثر في بناء علاقات تعاون ايجابي بين دول المعسكرين .

وكان كاتب هذه السطور قد دعا قبل أكثر من سنة إلى الاقتداء بمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي التي أقيمت في مرحلة مازالت حرجة بين مختلف الأطراف الدولية المتنازعة، ووصلت بها إلى بناء الثقة وتخفيف التوترات فيما بينها .

إن مؤتمر ldquo;حوار المنامةrdquo; يفتح الطريق لمثل هذه النتيجة التي لا بديل عنها لأمن المنطقة واستقرارها وازدهارها .