عبد الله بن موسى الطاير

أتفهم أن يرفض كتاب خليجيون فكرة الدكتور عبدالله النفيسي باندماج دول الخليج تحت قيادة المملكة وعندها سنتحاور معهم، لكنني استغربت رفض بعض الكتاب السعوديين الفكرة؛ ذلك أن رفضهم لم يكن دفاعا عن مصالح المملكة التي يمكن أن تتأثر، وليس على أسس اقتصادية واجتماعية وسياسية تأخذ في الحسبان أمن الخليج واستقراره على المدى البعيد، وإنما بني الرفض والاستهجان على أسباب فكرية أو مذهبية أو مصالح شخصية. وإذا أخذنا في الاعتبار أن من يرفضون وحدة الخليج صراحة هم أمريكا، والاتحاد الأوربي وإيران وبعض الدول العربية، فإن الرافضين للوحدة من الكتاب - مع كامل الاحترام لوجهات نظرهم - يضعون أنفسهم في خدمة مصالح تلك القوى الدولية والإقليمية.

وقد أسهم الرافضون لأي تقارب خليجي على مدى ثلاثين عاما في عدم تحقق الهدف الأول من إنشاء المجلس المنصوص عليه في النظام الأساسي وهو quot;تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولا الى وحدتهاquot;، بل تعثرت مشروعات تعاونية عديدة أقل أهمية من هذا الهدف.

لقد ضخّم بعض كتاب الرأي السعوديين الخسارة التي ستضرب الدول الخليجية الأربع محل النقاش في تعدديتها الفكرية والثقافية وازدهارها العمراني والاقتصادي إذا حدث وتوحدت مع المملكة، وهو ما أفهمه على أنه إهانة يصعب تمريرها. ولو أنصف أولئك الكتاب - الذين أحترمهم وأختلف معهم - لتحدثوا عن (تسهيلات) يجدونها في دول الخليج لا تتوفر في بلادهم ويخشون عليها من الوحدة. حينها ستكون وجهات نظرهم جديرة بالمناقشة خصوصا وأن الغرب والولايات المتحدة الأمريكية لم يعودا بتلك الرومانسية التي تستوعب اللاجئين الاجتماعيين الخليجيين فيشدون الرحال إليهما، ولذلك فضمان التعددية لأي كيان خليجي قادم تطمئن الرافضين، خصوصا وأن التعددية متحققة على الأرض في دولة الإمارات العربية المتحدة فلكل إمارة نظامها الداخلي الخاص، ويهمنا أن يكون أي كيان خليجي قادم مستوعبا لأبناء الخليج مهما تعددت مشاربهم الفكرية وحاجاتهم الاجتماعية.

الوحدة الخليجية أكثر تعقيدا من نداء مفكر خليجي أو أمنيات آخر؛ إنها تتقاطع مع سياسات ومصالح دولية متشابكة، وتتعلق باتفاقات وتنازلات سيادية كبيرة. والمؤشرات تؤكد أن المجلس الآن يمر بحالة حرجة تستدعي تدخلا جراحيا أيا كانت نتائجه فسيكون أفضل من حالة الموت السريري التي يعيشها. والقرار الصائب بأي اتجاهٍ كان لن يكتسب مشروعيته ولن يكون مقبولا أو مبررا إذا لم تشارك فيه الشعوب؛ ولذلك فإن استفتاء شفافا يطرح في دول المجلس كل على حدة بخصوص مستقبله هو الخيار الصائب؛ فإما أن يحقق هدف الوحدة وتوضع له ضوابط والتزامات لا تخضع للأمزجة، وإما أن يحذف الهدف الأول من أهداف تأسيس المجلس ويصار إلى الاتفاقيات الثنائية وإلى التعاون وحسن الجوار.

ويقيني الشخصي أن الاستفتاء إذا كان محايدا ونزيها فإنه سيأتي بنتائج مهمة يجب أن تؤخذ في الحسبان. والذين يتصورون ويضللون ويخوّفون الآخرين من أن الوحدة أو الاندماج سيجرّ على دول الخليج الصغيرة ملايين العاطلين من السعوديين هم في واقع الأمر يغالطون الحقيقة، وهم منتفعون من الوضع القائم وأول الراحلين إذا مس تلك الدول سوء.

صحيح أنني من المتحمسين للوحدة، ولكنني أتفق مع من يرون أننا نسحب الجزيرة العربية كلها بطرف أذنها إلى خليج لم يتفق العالم على تسميته، والأصل أن تستقيم المعادلة، وتسمى الأمور بمسمياتها الصحيحة، وعندما يجدّ الجد باتجاه الوحدة فإن أحدا لن يلتفت إلى من يكتبون خشية على منافع شخصية، أويستكتبون لصالح أطراف أخرى. سيكون هناك رأي عام يسند القرار السياسي وسنعلم علم اليقين في أي اتجاه نسير..