شفيق الغبرا يجد العرب في أيامهم هذه أنهم وسط مأزق يزداد عمقاً وينعكس على حياتهم السياسية وحرياتهم بكل أبعادها. فقد حققوا دولاً قبل وبعد أواسط القرن الماضي، لكن ما لبث معظم هذه الدول أن تراجع عن برامج التنمية والسعي للاستثمار في المواطن ومستقبله. وفي العقود الماضية ساد الاعتقاد بإمكان ردم الهوة مع الغرب، وإذا بالهوة تزداد حتى مع الشرق الآسيوي. في العقود الماضية سعى العرب للانتصار على إسرائيل، وإذا بها تعود وتلتف على العالم العربي وتسبب لدوله تراجعات متتالية. في العقود الماضية سارت دول العالم نحو الديمقراطية وإذا بالدول العربية تتخلف في هذا المجال وتتراجع.
العقود الماضية كانت قاسية على العرب نتيجة للحروب التي تعرضوا لها في زمن الاستعمار، وخلال حرب 1948، ثم خلال الحروب التي شنوها على بعضهم البعض. لقد حمل العرب أحلاماً لم يمارسوها، وسعوا إلى معارك يصعب الفوز بها، وركزوا على أولويات أقل أهمية وأهملوا قضايا كان يجب أن يثابروا عليها. مرت عقود والعرب منغمسون في قضايا تنقصها العصرية: ظلوا تائهين عن ضرورات العصر الأهم: الحرية وكرامة المواطن.
إن كل جيل عربي، ومنذ عقود طويلة، انتهى إلى خيبات أمل متراكمة تجاه حكّامه ومؤسساته، وتجاه اقتصاده وحقوقه. لقد شعر العرب على الدوام بدوار التاريخ وبعقم الحقيقة وبحدة الهزائم.
لقد أصبح الاستضعاف جزءاً من الذاكرة التاريخية للعرب، فهل نحن laquo;يهود العصرraquo; نسبة إلى حالة التهميش والاضطهاد والتميز التي عرف بها يهود التاريخ؟ نحن العرب كنا جزءاً لا يتجزأ من الدولة العثمانية التي خسرت كل شيء في الحرب العالمية الأولى، وكنا أيضاً جزءاً من العالم الذي خضع للاستعمار بين الحربين الأولى والثانية. وما أن حلمنا بالاستقلال حتى ولدت إسرائيل وذلك في ظل ملايين اللاجئين. وما أن تفاءلنا بإمكان هزيمة إسرائيل لاستعادة أراضينا حتى هوت كل الأحلام بهزيمة عام 1967 وخسارة مزيد من الأراضي والأرواح. وما أن شعرنا بإمكان تحقيق حلم النهضة أو حلم الأمة العربية حتى توالت خيبات الأمل الناتجة عن أنظمة عسكرية منعتنا من التعبير، وحدت حريتنا ودمرت كل فكرة جديدة وكل روح تسعى إلى التجديد. وما أن وقع هذا حتى دخلت أكثر من دولة عربية في حروب أهلية صغيرة وسط حالة تدين وصحوات إسلامية بينما خيم الجمود القاتل على معظم بقاع العرب.
والأغرب أننا أصبحنا أعداء أنفسنا: فالدعوة العربية من أجل فلسطين تناقضت دائماً مع التخلي عنها في مجالات شتى، كما تناقضت دعوات الأخوة والسلام بين العرب مع صراعات دائمة بين فئاتهم ومجتمعاتهم، وتناقضت الدعوات إلى نبذ الطائفية مع عمق المأزق الطائفي، وتناقضت الدعوة إلى الديمقراطية والمساواة مع تدن كبير في حقوق الإنسان العربي. كما تناقضت الدعوات إلى التضامن مع الشعب الفلسطيني مع اضطهاد الشعب الفلسطيني وانتهاك حقوقه الإنسانية في الحياة الكريمة والعمل في أكثر من دولة عربية. كما تناقضت حالة التدين الأكثر تطرفاً مع هروب الأفراد من الدين.
إننا نعيش مأزقنا الحضاري الأكبر، ومطالبون بالتساؤل عن الحال العربي، فكل التساؤلات العربية السابقة لم تتعامل مع مسببات التراجع الذاتية التي تؤدي إلى الهزائم الوطنية سواء في الحروب مع إسرائيل أم في معارك الجهاد الأكبر مع التنمية ومع الديمقراطية ومع الإدارة الحديثة.
ينشر بترتيب مع مشروع quot;منبر الحريةquot;
التعليقات