عدنان السيد
مهما تعدّدت الاجتهادات والتفسيرات المتعلقة بزيارة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الدين الحريري لطهران، فإن هذه المناسبة خطوة جديدة باتجاه تطوير العلاقات الرسمية بين لبنان وإيران .
لا جمود في العلاقات بين الدول، والمصالح المتغيرة والمتحركة تفترض مواكبتها من جانب المسؤولين أصحاب القرار . ولا تحليلاً أيديولوجياً قادراً وحده على تفسير اللقاء الإيراني اللبناني، فالمصالح والمتغيرات تفعل فعلها في العلاقات الثنائية أو المتعددة الأطراف .
هذا لا يعني أن المبادئ العليا، أو الأهداف العليا لدولة معينة تبقى عرضة للتبديل في كل منعطف، أو عند كل متغيّر، وكيف إذا كانت الدولة هي الجمهورية الإسلامية الإيرانية، المحافظة على ثوابت محدّدة منذ ثورة عام ،1979 وفي طليعتها مواجهة ldquo;إسرائيلrdquo; والحركة الصهيونية؟
ومن قراءة البيان الختامي اللبناني الإيراني نستنتج وجود بعض الواقعية في التعامل مع متغيرات الشرق الأوسط، والمصالح المشتركة بين لبنان وإيران . كأن يعلن الجانب اللبناني على سبيل المثال التزامه بالمبادرة العربية للسلام، في الوقت الذي يؤكد فيه الجانبان دعم نضالات الشعب الفلسطيني لتحرير أراضيه المحتلة، واسترداد حقوقه في قيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وفي حق العودة إلى فلسطين .
إذا كانت إيران لا تجد في المبادرة العربية للسلام فرصة لقيام تسوية عادلة، وهذه مسألة يشاركها فيها كثيرون من العرب، فإن لبنان ما يزال في طور التمسك بتلك المبادرة التي أقرتها القمة العربية في بيروت سنة ،2002 وهو لن يتخلى عنها طالما أن جامعة الدول العربية على مستوى القمة لم تسقطها بعد . وعندما يؤكد الجانبان وجوب الوحدة بين الدول والشعوب الإسلامية، وضرورة اتخاذ الإجراءات المناسبة للتصدي للفتن الطائفية والمذهبية، (التي هي بدون شك لمصلحة الأعداء)، فإنهما يضعان اليد على المفصل الأهم للعلاقات الشعبية داخل دول العالم الإسلامي . كيف ذلك؟
ثمة فتن طائفية ومذهبية وعشائرية وإقليمية جهوية بين الشعب الواحد، وداخل الدولة الواحدة في الكثير من الدول الإسلامية، ولا داعي لذكر الأمثلة التي تعرفها الشعوب، وتذيع أخبارها الفضائيات العالمية . وهناك احتقان واضح في العلاقات بين المسلمين من السّنة والشيعة في غير بلد، أسبابه داخلية وخارجية معاً، وكيف إذا كانت العلاقات في الداخل اللبناني مأزومة بفعل أخطاء اللبنانيين قبل غيرهم ومنذ زمن؟
توقيت اللقاء الإيراني اللبناني، والحال هذه، مهم، ويأتي في الوقت الذي يضغط فيه الإعلام الدولي على اللبنانيين يومياً من خلال المطالعة الاتهامية للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان . والتي ستشير، في شكل أو في آخر، إلى حزب الله اللبناني، وتتهمه بالمشاركة في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري! هذا ما يزيد من أهمية اللقاء وضرورته .
وبدلاً من الإغراق في الحديث على الخلافات المذهبية، وتفجير الأحقاد، وإثارة الضغائن، كان يفترض باللبنانيين مسلمين ومسيحيين تدارك انعكاسات تسييس المحكمة على الداخل اللبناني، وعدم استغلالها لتصفية خلافات فئوية، وربما شخصية، في المجتمع اللبناني . عسى أن نفيد من تجارب الماضي ولو وصلنا متأخرين .
إلى ذلك، من الأمور اللافتة في العلاقات الإيرانية اللبنانية مواصلة المجهودات الرسمية عبر توقيع الاتفاقيات في مجالات مختلفة: التعليم، والإعلام، والاستثمار، والرياضة، والتكنولوجيا، والبيئة، والزراعة، والطاقة، والمياه، والإدارة، إنه التعاون الوظيفي، البعيد من التنازع السياسي، الذي يشكّل أحد أهم تجليات العلاقات الدولية المعاصرة .
بين زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لبيروت، وزيارة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الدين الحريري لطهران، بضعة أسابيع فاصلة . أما الجهد فإنه مستمر لبناء علاقات من نوع جديد، بعيداً من التحليلات الأيديولوجية على الرغم من أهمية المبادئ . علاقات تعاون، وبناء ثقة، وانفتاح أكيد على علاقات جديدة في الشرق الأوسط . علاقات ممتدة من طهران إلى بيروت، مروراً ببغداد وأنقرة ودمشق . فهل نرتقي إلى مستوى الآمال الجديدة بعيداً من عوامل الانقسام مهما يكن نوعها، ومهما تتعدد مصادرها؟
التعليقات