سعيد الحمد

لم نتوقعها أن تحدث في الكويت التي لم تعرف العنف أسلوباً.
صحيح ان التجاذبات بلغت اوجها وصحيح ان بعض الفضائيات وبعض النواب وبعض الكتاب وبعض المواطنين المحسوبين على هذا التيار او ذاك قد ساهموا جميعا في شعللتها، وصحيح انها خرجت عن حدود حرية التعبير وتحولت اللغة المتبادلة الى شتائم قبيحة وبذاءات شنيعة بين كل الاطراف، وصحيح ان حادثة الاعتداء والتخريب وتكسير قناة سكوب كانت مؤشرا مؤسفا لمنحى العنف الطارئى.. لكن ان يبلغ العنف هذه الوحشية في الاعتداء الجماعي على فرد laquo;محمد الجويهلraquo; وضربه ضربا مبرحا ادخل على اثره للعناية القصوى، فهو امر وهو فعل مشين لايليق بسمعة الكويت التي تدعي كل الاطراف وصلا بها ودفاعا عنها تحول بوعي او دون وعي من الجميع هناك الى عمل يسيء الى الكويت ايما اساءة ويمس سمعتها مباشرة.
كنا ومازلنا نؤكد ان العنف يبدأ خطابا، اي يبدأ فكراً ويبدأ ثقافةً laquo;ثقافة العنفraquo; والتحريض عليه ينسل ويتسلل الى الوجدان الجمعي العام عبر الخطاب اليومي الذي يتلقاه هذا الوجدان ويتغذى به، ولاشك ان من تابع بدقة الحالة الكويتية خلال الايام القليلة الماضية لم يفاجئه هذا الاعتداء المتوحش على laquo;الجويهلraquo;، فالاعتداء بكل ما صاحبه من عنف وحشي laquo;شاهدنا اللقطات في التلفزيونraquo; كان نتيجةً وليس سبباً.. نتيجة ذلك الخطاب الذي تلبسته كل مفردات وكل الفاظ وكل كلمات العنف العنيف الذي بالضرورة يؤدي إلى ما حدث من اعتداء وضرب ودماء تلطخ بها جسد مواطن كويتي بايدي مواطنين كويتيين يفترض انهم اختلفوا في الرأي وفي التوجه، لكنهم للاسف اداروا هذا الاختلاف بثقافة العنف التي كان ولابد ان تنتج عنفا ماديا على ارض الواقع وفي مجتمعهم وهي البداية الخطيرة لانفلاتات العنف.
التجربة الديمقراطية في الكويت مرت بتجاذبات واختلافات وصراعات بين التوجهات، لكنها لم تتعمد بالدم ولم تتلوث بالعنف، فحافظت على بقائها نموذجا لنا نحن الخليجيين خصوصا وللعرب عموما.. لكنها في السنوات الاخيرة اصيبت بلوثة العنف وانتقلت اليها العدوى المخيفة وانغمس خطابها شيئا فشيئا في عنف الكلمات وعنف الالفاظ وعنف الافكار، وهي تدير خلافها تحت عنوان حرية التعبير التي قالوا قديما؛ كم من الجرائم ارتكبت باسم الحرية، لان الحرية المسؤولة فقدت مسؤوليتها وخرجت عن حدود الحرية لتتحول الى تحريض والى فتنة والى شحن وتعبئة مجنونة ومسكونة بروح الانتقام وكراهية الآخر المختلف.
الحالة الكويتية التي ارتكبت ذلك الاعتداء الاجرامي على مواطنها laquo;الجويهلraquo; ليست خارج سياق الحالة العربية التي تلبسها العنف ثقافة والعنف فكرا وقادها بالنتيجة الى ارتكاب كل اعمال العنف وجرائمه التي عايشناها عن كثب.
عنف الخطاب في الحالة الكويتية استدعى عندي شخصيا عنف الخطاب البحريني ذلك العام 2006 عندما قاد احد المواقع المتأسلمة حملة عنف ضد laquo;الأيامraquo; وضد كاتب هذه السطور الذي حرض الموقع على قتله تحت عنوان عريض laquo;اذا وجدتم سعيد الحمد فاقتلوهraquo;. وكانت حملة عنف طويلة مازلت اذكر فيها ما كتبه احدهم laquo;القتل قليل في حق سعيد الحمد لو كان هناك عقاب اشد لاستحقهraquo; نشر هذا النص في تاريخ 1/6/2006 واستمرت الحملة تناقش كيفية القتل يومها بما يؤكد ان ثقافة العنف والكراهية هي الشرارة وهي فتيل جحيم العنف الذي لن يتوقف اذا انفلت عند حدود فلان، بل سيحرق الاخضر واليابس.
المعضلة وأُس المشكلة امس واليوم وغدا ليست في مظاهر العنف وجرائمه برغم فداحتها وبشاعتها ووحشيتها.. المشكلة في ثقافة العنف، في خطاب العنف، في فكرة وافكار العنف.
وما نكتبه عن ثقافة العنف ليس جديدا، كتبناه مرات ومرات وسنظل نكتبه كلما افجعنا حادث عنف وجريمة عنف كالتي تعرض لها laquo;الجويهلraquo; قبل يومين، لكن يؤسفنا حد الندم ان تنزلق الحالة الكويتية الى مثل هذا العنف، نتذكرها نموذجا ونتذكرها مثالا لادارة الخلاف بروح ديمقراطية فنأسف ونتأسف حد الوجع.
إلى الأعلى