أمجد عرار

في الوقت المناسب تماماً، هطلت الأمطار على لبنان ليس لري الزرع وإطفاء الظمأ فحسب، إنما لإطفاء الحرائق التي أتت على مئات الهكتارات من لبنان الأخضر . لا ينقصنا، نحن العرب جفافاً في الحريات والديمقراطية وميزانيات البحث العلمي، حتى يأتي جفاف الطقس لنا بالحرائق، شكراً للمطر على مبادرته الطيبة بإطفاء الحرائق التي لم تفرّق بين الأرز والصنوبر ولن تميّز بين منازل اللبنانيين على أساس طائفي أو مذهبي لو وصلت إليها . لكن من الذي سيحظى بالشكر والتقدير إذا نجح في إطفاء حريق أخطر يهدد لبنان الأخضر؟ .

أمر محزن أن نرى هذا البلد العربي يغرق حتى أذنيه في خلاف يتفاقم يوماً بعد يوم، فلا تمر لحظة من دون ولادة مشكلة جديدة . المؤسسات معطّلة ووحش الفتنة يفترس ما يتبقى من فسحة الأمل . لم يعد سراً أن البعض يسابق الزمن ولا يدّخر جهداً أو اتصالاً أوتنسيقاً أو تحرّكاً في سبيل إبقاء الطريق سالكاً أمام القرار الظنّي أو الاتهامي المرتقب صدوره عن محكمة ميليس-بلمار . ولم يعد خافياً أن بعض الذين حوّلوا المحكمة إلى أوكسجينهم، لا تعنيهم العدالة ولا كشف قتلة رفيق الحريري والآخرين، بقدر ما يدفعهم الولاء لدور أدمنوه على مر التجارب التي نصّبتهم أمراء حرب وأعواد ثقاب للفتن والحروب الأهلية . هؤلاء يحاصرون قيادات متعقّلة في فريقهم ويعطّلون استكمال مبادراتها ومحاولاتها إصلاح أخطاء باتت مكشوفة، ويمنعونها من إبداء مرونة تقرّب المسافة مع الفريق الآخر . فباستثناء شرذمة صغيرة ممن استفادوا من الاغتيالات وأصبحوا ldquo;زعماءrdquo;، فإن فريقاً كاملاً وأغلبية الفريق الآخر يُجمعون على وجود شهود زور يجب التحقيق معهم ومصنّعيهم، وإذا ما حسمت القضيّة، فإن هذا الحسم لن يزيل عقبة كأداء أمام الوحدة الوطنية فحسب، إنما قد يكون ضربة الفأس الأولى في شق طريق العدالة والوصول إلى القتلة المجرمين الذين فعلوا ما فعلوه للانتقام من لبنان وجعله حطبة في موقد الفتنة .

نحن على قناعة بأن أغلبية اللبنانيين عقلاء ولا بد لبعض الآذان المفتوحة لأعلى ترددات الفتنة، أن تنغلق أمامها وتنفتح لصوت العقل والتهدئة والوفاق، فالفتنة تعني المكاسب لقلّة من أمراء الحرب، أما الوفاق فهو بر الأمان لكل اللبنانيين، ونقول ldquo;كلrdquo; لأننا نعتبر دعاة الفتنة ليسوا لبنانيين ولا عرباً ولا حتى بشراً .

وما زالت عيوننا شاخصة بانتظار نتيجة المساعي السعودية السورية التي بات يطلق عليها معادلة ldquo;سين سينrdquo;، طالما أن الرياض ودمشق لم ترفعا يدي العجز، وطالما أنهما تواصلان البحث عن المخرج المأمول والنتيجة التي تصب في مصلحة اللبنانيين والعرب، وتدفع أعداء لبنان والعروبة للانكفاء واليأس والكف عن محاولاتهم إشغال لبنان عن الأخطار الحقيقية التي ستطل برأسها مباشرة، بعد أن يتأكد أصحابها من أن محاولات إشعال الحرائق من الداخل غير مجدية . فليس اللبنانيون بحاجة إلى دخول موسوعة غينيس لأكبر علم لدولة، بقدر ما هم بحاجة لعلم يكفي لتظليلهم جميعاً مهما كان حجمه، وإذا لم يتفقوا أو لم تنقذهم معادلة ldquo;سين سينrdquo;، فإننا نخشى أن تنجح ldquo;إسرائيلrdquo; وأمريكا في أن تفرضا عليهما معادلة ldquo;ألف ألفrdquo; .