راجح الخوري

لم يدخل سعد الحريري السرايا وارثاً للقهر والتعجيز وللسير داخل خطوط مرسومة بالعقد والعراقيل، التي طالما واجهت من قبله والده الرئيس رفيق الحريري الذي انتهى شهيدا في جريمة كانت تستهدف لبنان الوطن والكيان.
ولم يخرج سعد الحريري من دائرة الفاجعة العاطفية والعائلية، ليدخل دائرة المسؤولية التي يراد لها ان تتحول فاجعة وطنية، تنتهي به شهيدا سياسيا بما يستهدف دك آخر حجر في أساس الدولة والوطن عبر مطارق التعطيل الذي بات الآن يصيب كل شيء: الحكومة والمؤسسات وهيئة الحوار الوطني ومجلس النواب، بعدما أصيب كل شيء تقريبا بالشلل: التفاهم والحوار والاتصال وتبادل الرأي، وتغييب السلطة بذرائع ليست مقبولة على الاطلاق.

❐ ❐ ❐

يتحدث العالم كله مثلا عن انسحاب العدو الاسرائيلي من الغجر إلا الدولة اللبنانية، التي تُدفع دفعا الى التجمّد عند نقطة quot;شهود الزورquot; التي يُراد احالتها حصرا على المجلس العدلي، خلافا للقانون والدستور اللذين يقرّان احالتها على القضاء العادي. واضافة الى كل هذا، لا يرد أحد على المنطق البسيط للأمور عندما يقال إن ليس هناك ملف يمكن الاستناد اليه لمعالجة هذا الموضوع ما لم يصدر القرار الاتهامي عن المحكمة الدولية ليوفر عناصر ملموسة لهذا الملف.
يحترق لبنان. يجوع اللبنانيون. يعطش لبنان. يقع الشعب في يُتم الدولة ويُتم المسؤولية. تخرب البلاد. يسيطر اليأس على العباد، ولا تسقط شعرة من رأس التعطيل الذي يعمل سيفه تقطيعا في ما تبقى من هذا البلد البائس!
لم يدخل سعد الحريري رئاسة الحكومة ليعمل حارسا على الوقت الضائع ومراقبا على التعطيل المتمادي والمستمر، منذ سعت الدولة الى قيام محكمة دولية تنظر في مسلسل الجرائم المهولة التي ضربت لبنان.
ولكنه منذ اللحظة الاولى لدخوله السرايا كان مطالبا لا بما يشقّ منه كبده وروحه على المستوى الشخصي فحسب، بل بما يدمّر فيه حسّ المسؤولية والواجب الوطني حيال لبنان، الوطن المرعوب الذي يريد معرفة الحقيقة قبله وقبل تياره وعائلة الحريري.
منذ اللحظة الاولى كان سعد الحريري مطالبا بما لا يقدر عليه وبما لا ينفع لو حاول الاقتدار عليه.
السعي الى الغاء القرار الاتهامي ووقف المحكمة الدولية. وكل ذلك على طريقة: إن كنت ابن رفيق الحريري فخلّص نفسك وخلصنا!
ولكن كيف، والمحكمة الدولية شأن مجلس الامن نشأت بقرار منه وتحت الفصل السابع، ولا تتوقف إلا بقرار منه وبالاجماع؟
فعلا كيف يصعد سعد الحريري الى الخشبة وكيف يشنق نفسه؟ وقد حاول كل ما في وسعه منذ أشهر ليفتح ثغرة تفاهم وهواء منعش وليوقف الاحتقان ويمنع الاختناق ويحول دون الانفجار. ولكن دون جدوى، لأن قرار التعطيل ينزل على الدولة والبلاد مثل ستار من حديد.
لم يدخل سعد الحريري رئاسة الحكومة ليعدّ الأيام قاعدا في التعطيل والعجز، وهو الذي وعد اللبنانيين ببرنامج متكامل سياسي واقتصادي ومعيشي وانمائي وتربوي وثقافي وفني. لكنه أجبر طويلا على المراوحة داخل دائرة التعطيل.
إذا واصل المراوحة يقال: ماذا يفعل قاعداً في السرايا؟ واذا خرج لسلسلة من اللقاءات مع زعماء في الخارج محاولا حماية لبنان من الاستحقاقات المتجهمة والتهديدات الاسرائيلية، يقال: لماذا يضيّع الوقت... إذاً، لماذا لا يشنق نفسه؟!
الآن يتردد في بعض الصحف أنه يسعى جاهدا لتحريك عجلة الحكومة المعطلة والدولة المجمّدة، ولكأنه لم ييأس بعد او يصدق القول: إن كنت ابن الحريري فخلّص نفسك وخلّصنا!