سمر المقرن
جلوسي على المنصة في قاعة النساء الموازية لصاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل، ومعالي وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبد العزيز خوجة، ورئيس الجلسة الحوارية معالي الشيخ الدكتور صالح بن حميد، هو نيشان شرف ومصدر فخر قلدتني إياه الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، أثناء الحوار الذي جاء تحت عنوان: laquo;جهود المملكة في حل القضية الأفغانية وإنهاء الحرب الأهلية اللبنانيةraquo;، خلال المؤتمر العالمي الأول عن جهود المملكة في خدمة القضايا الإسلامية، الذي استمر على مدى يومين وأسدل الستار على آخر جلساته يوم أمس.
وقبل أن أتحدث عن هذا المؤتمر، فإن ثمة وقائع وحقائق ينبغي ألا تفوتنا عندما نُطل على هذا الخليط الفكري الحاضر، من أهمها الاعتراف بأن كل التيارات الفكرية يهمها في النهاية هذا الدين، وفي هذا رد على كل من يُجرد أي شخص يختلف مع تيار معين أنه ليس من أهل الدين أو يحاربه بالمعنى التكفيري الذي ابتلينا به من فئة متشددة، وهنا قامت الجامعة الإسلامية بإعطاء هؤلاء درس في آداب الاختلاف وأن الجميع يرعى هذا الدين ويحافظ عليه ويحبه، وأن الإسلام ليس حكراً لفئة دون الأخرى.
إن هذه الجهود التي جاءت من جامعة إسلامية عريقة هي تأكيد على أن مبدأ laquo;الوسطيةraquo; هو مبدأ متأصل في هذه البلاد التي لا يمكننا أن نستعرض جهودها في مؤتمر واحد ولا في مئة ورقة بحثية، وهذا ليس تقليلاً مما استعرضه هذا المؤتمر، بل إنها الحقيقة لأن بلادنا التي خلع ملوكها تيجانهم وتقلدوا خدمة الحرمين كما قال أحد الحضور في مداخلة له، هي ذات تاريخ طويل يحتاج إلى سنوات طويلة لتوثيق مسيرة خدمتها لهذا الدين العظيم سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، وما رأيته في مؤتمر المدينة المنورة لم يكن عرضاً أو استعراضاً لهذا الدور الريادي بل إنه توثيق مهم للتاريخ من أجل أن يُنقش في نفوس وعقول أحفادنا وأحفادهم والسلسلة البشرية التي هي من علم الغيب.
إن تأصيل مبدأ laquo;الوسطيةraquo; من جامعة بحجم الجامعة الإسلامية هو مبادرة في هذا الزمن وهذه الأيام التي تُشكل مفصلاً فكرياً في تاريخ السعودية، صحيح أن هذه المرحلة قد تكون مقلقة اجتماعياً نظراً لظهور من هو صاحب رأي وفكر وحجة، وظهور من لا يملك إلا صوتاً عالياً ينشز به ويصدح ويحارب كل من يختلف معه من خلال قنوات لم تكن موجودة في السابق، هذه القنوات هي المنتديات والساحات الإلكترونية وبعض القنوات المتطرفة، التي منحت هذه الفئة مساحة ليست بالقليلة لتظهر في يوم وليلة وتتقلد ألقاب المشيخة والفكر. في النهاية، لا يصح إلا الصحيح، ولا تلك الفئة ولا نقيضتها ستؤثر على هذا المجتمع لأنها مجرد فقاعات سريعاً ما تنطفئ.
بقي لي أن أقول كلمة حق إذ سيشهد التاريخ على أن الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة لها دور ريادي في تحقيق مبادئ الموازنة الفكرية، ولها الأسبقية في عدم إقصاء أي طرف مهما كان يحمل من توجهات فكرية، وهذا بصراحة مجهود يشكر عليه معالي مدير الجامعة الدكتور محمد العقلا، هذا الرجل الذي يعمل بصمت من أجل هذا الدين وهذا الوطن.. فشكراً لكم جميعاً، وشكراً لطيبة أهلها الطيبين.
التعليقات