سركيس نعوم

سياسة اليد الممدودة التي انتهجها الرئيس الاميركي باراك اوباما حيال ايران بدعوته قيادتها الدينية ndash; السياسية الى الحوار أولاً حول ملفها النووي وثانياً حول القضايا الخلافية الاخرى معها لا تزال قائمة في رأي مصادر ديبلوماسية غربية مطلعة. لكن حظوظها في النجاح تقلصت كثيراً وخصوصاً بعد تراجع ايران عن قبولها المبدئي اقتراحاً قدمته مجموعة الـ 5+1 في إطار اجتماع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وبعد اصرار المجتمع الدولي عليه، وبعد انطلاق الايرانيين في عملية تحدٍ واسعة للعالم تمثلت ببدء تخصيب الاورانيوم بنسبة 20 في المئة أو بالأحرى بالاعلان عن بدء هذا التخصيب. علماً ان شكوكاً كثيرة تساور المجتمع الدولي حيال قدرة ايران على تحقيق انجاز كهذا. ومن الأدلة على ذلك اصرار واشنطن وحلفائها على متابعة فرض العقوبات على ايران وتمسكهم في الوقت نفسه بعدم اعتماد الخيار العسكري لحل هذه المشكلة الا اذا فرضت تطورات دراماتيكية ذلك، واعلانهم الدائم استعدادهم للحوار مع قادتها بعد عودتهم الى التعقل والحكمة والبراغماتية، وهي صفات يُجمع كثيرون في العالم على تمتع الشعب الايراني بها رغم اقتناع غالبية قادة هذا العالم بأن السياسة الايرانية وخصوصاً في الموضوع النووي لم تكن دائماً وليست اليوم نتيجة منطقية للصفات المذكورة.
ماذا عن سياسة اليد الاميركية الممدودة الى سوريا منذ تسلم باراك اوباما رئاستها قبل سنة ونحو ثلاثة اسابيع؟
يقول مسؤول سابق في quot;ادارةquot; مهمة داخل الادارة الاميركية تابَعَتْ عن كثب تطورات العلاقة بين دمشق وواشنطن بكل مراحلها وباحث حالي، جواباً عن هذا السؤال انه تأثر ايجاباً بالجهود التي بذلتها ادارة اوباما للتعامل، او بالاحرى للتعاطي مع سوريا ذات النظام الصعب، لكنه وجد ان اقناع نظامها أو قيادتها السياسية العليا بتغيير سلوكها، سواء في العراق أو في لبنان، وبوقف علاقتها بل شراكتها مع ارهابيين ومع دول ترعى الارهاب وبايضاح كل ما اثير عن مشروع عندها لبناء مفاعل نووي عسكري، وجد ان ذلك لن يكون سهلاً على الاطلاق. طبعاً حاولت الادارة الاميركية استعمال سياسة العصا والجزرة مع سوريا فاعلنت عزمها ارسال سفير اميركي اليها وتخفيفها عدد من الاجراءات العقابية المفروضة عليها والتي من شأنها التسبب لها بمشكلات عدة. كما انها شجعت زيارات اعضاء في الكونغرس الى دمشق. فضلاً عن انها اوفدت السيناتور السابق جورج ميتشل المكلف من اوباما العمل لاعادة الحياة الى عملية السلام في الشرق الاوسط على كل المسارات وفي مقدمها المساران الفلسطيني ثم السوري.
لكن ذلك كله لم يؤد الى النتيجة المطلوبة في رأي المسؤول السابق والباحث الحالي نفسه لسببين: أولهما ان الادارة الاميركية لم تقدم الكثير الى سوريا بشار الاسد بغية اغرائها لتحقيق التغيير المطلوب والمشار اليه اعلاه في سياساتها الاقليمية وليس الداخلية طبعاً. ففتح ابواب الحوار تزامن مع تحذيرات رسمية اميركية للقيادة السورية بتنفيذ المطلوب منها وخلال مدة غير طويلة. وقد عبر عن ذلك ديبلوماسيون اميركيون اكدوا حاجة سوريا الى اتخاذ اجراءات والإقدام على خطوات مهمة جداً اذا كانت تأمل في علاقة جيدة ومتينة وطويلة الأمد. اما ثاني الاسباب، فهو ادراك ادارة اوباما ان رغبتها في تحقيق تقدم في عملية السلام الشرق الأوسطية وفي quot;حلquot; المحور الايراني ndash; السوري وفي انهاء الدعم السوري للارهاب وفي تغيير دور سوريا من دولة quot;رافضةquot; الى دولة معتدلة مثل مصر والسعودية والعراق والاردن وان غير موالية لاميركا وان محافظة على دعم ولكن خفيف وغير مباشر للارهاب وللعلاقة مع ايران ndash; ادراك الادارة المذكورة ان رغبتها هذه لم تنفذ ولن تنفذ. وهذا الادراك ليس موقفاً نظرياً فقط بل هو مبني على عدم وجود دلائل حسية وملموسة لنجاح سياسة الحوار التي اعتمدها اوباما منذ وصوله الى البيت الابيض.
هل يشكل اتخاذ اميركا وسوريا اجراءات رسمية لإعادة التبادل الديبلوماسي بينهما على مستوى السفراء (باعتبار انه لم ينقطع على المستويات الادنى) دليلاً على ان quot;الحوارquot; قد يعود ليسلك طريق النجاح؟
لا بد من الانتظار قبل اعطاء أي جواب جازم عن هذا السؤال. فاستكمال الاجراءات، بما فيها حصول السفير الجديد على quot;درع التثبيتquot; من الكونغرس السلبي المواقف من سوريا لن يتم في سرعة كبيرة. كما انه لن يطول دهراً. علماً، يلفت المسؤول السابق والباحث الحالي في واشنطن نفسه، ان سوريا قد تعتمد وتلافياً لكسر الجرة مع ايران وحلفائها في المنطقة، وذلك ليس بالامر اليسير على القيادة في دمشق، وفي انتظار حصولها من اميركا وعبرها من اسرائيل على اشارات واضحة عن امكان اعادة الجولان المحتلة الى اصحابها السوريين ndash; علماً ان سوريا، وفي حال كهذه قد تنتهج سياسة quot;اطفاء الاضواءquot; اذا جاز التعبير على هذا النحو. أي تتخذ مواقف وقرارات مفيدة لاميركا لكنها سطحية، مثل التخفيف من تسلل الجهاديين عبر حدودها الى العراق وفي المقابل تبقي عاصمتها او اراضيها ملاذاً آمناً لقياداتهم. لكن لا بد في الوقت نفسه من الاعتراف بأن أميركا وخصوصاً الآن في عهد اوباما الذي قرر الانفتاح على سوريا لم تحدد بعد الثمن الذي ستكون على استعداد quot;لدفعهquot; لها في مقابل التعاون التام والثابت من القيادة العليا فيها. وفي أي حال ورغم وجود مواقف متناقضة حيال سوريا داخل اميركا ورغم سلبية غالبية هذه المواقف، فإن المسؤول السابق والباحث الحالي الاميركي نفسه يشدد على ان سوريا تبقى بالغة الأهمية بل محورية سواء لدفع المنطقة نحو الاستقرار أو نحو مزيد من عدم الاستقرار والحروب والتعثر.