عبدالله ناصر الفوزان


بعد تلك النقلة الهائلة في (فن) الإفتاء إثر انتشار الفضائيات والمواقع الإلكترونية، وبعد أن أصبح بعض المفتين نجوماً مثل نجوم الفن والكرة والثقافة والمال، وبعد أن أصبحت الفتوى وسيلة تجارية مثل الوسائل الأخرى التي تعتمد عليها الفضائيات والمواقع الإلكترونية لكسب المشاهدين والقراء بغرض كسب الإعلانات والنجاح المادي... بعد كل ذلك وجد الشيخ مسعود أن التفرغ للإفتاء هو الخيار الأفضل الذي سيجلب له النجاح السريع والمال الوفير، فترك الرقية الشرعية وبيع التمر والعسل وحبة البركة وتفرغ للعمل مفتياً في الفضائيات والمواقع الإلكترونية.
الشيخ مسعود عمل مدرساً، ثم راقياً شرعياً، وترك التدريس بعد ذلك وتفرغ للرقية، ثم بدأ يمارس الإفتاء بعد أن وجد في نفسه القدرة، ووجد من يطلب آراءه في المسائل الدينية ويرحب بها ويعمل بها، وبعد أن وجد أنه هو طريق المستقبل... وعندما انتشرت الفضائيات، وكثرت المواقع الإلكترونية، وأصبح الإفتاء من أهم برامجها، تفرغ للإفتاء وترك أنشطته الأخرى.
كان هم الشيخ مسعود أن يصبح المفتي النجم بلا منازع، ولأنه يدرك من خلال تجربته ومشاهداته أن تحقيق هذا الهدف يتطلب توسيع قاعدته الجماهيرية، ويدرك أن توسيع هذه القاعدة يتطلب التركيز على الموضوعات المؤثرة والمثيرة، فقد سار في هذا المنحى، وكانت شخصيته في الأصل قلقلة عصبية تستعجل تحقيق الأهداف، وبسبب ذلك وخاصة خصلة الاستعجال وكثرة المنافسين، فقد أصبح يصاب أحياناً بنوبات عصبية، ثم تطور الأمر إلى بعض اللوثات العقلية.
في واحدة من نوباته العصبية ولوثاته العقلية قرأ رأياً لأحد علماء الدين خالف فيه المرجع الأول للإفتاء في البلد وقال إن من حقه أن يخالفه وإن من حق من يتلقى الفتوى عندما يختلف العلماء في آرائهم أن يأخذ بما يرى أنه الأقرب للصواب، ثم قرأ فتوى لعالم دين كبير قطع فيها أن الاختلاط لابد أن يؤدي إلى السفور الحرام والتبرج الحرام والخلوة الحرام وأفتى بناء على هذا بأن من يستحل الاختلاط فهو مستحل لهذه المحرمات ومن استحل هذه المحرمات فهو كافر مرتد لابد أن تقام عليه الحجة ويستتاب فإن تاب وإلا قتل.. قرأ الشيخ مسعود تلك الفتاوى وهو واقع تحت ضغط تأثير نفسي كبير بدافع من رغبة الوصول لهدفه بسرعة والخوف من أن يتجاوزه الآخرون، فقرر أن يفجر قنبلة القنابل، ويصدر الفتوى الضخمة التي تتسيد الساحة، وتشعل فتيل النقاش والحوارات وتكون هي موضوع الساعة والشغل الشاغل للناس، والفضائيات، والمواقع الإلكترونية، وكل وسائل الإعلام.
اتصل بإحدى الفضائيات الشهيرة، وأبلغها أن لديه فتاوى هامة، وطلب منها استضافته في برنامج يخصص للفتوى وقت السهرة، وأثناء الحوار مع معد البرنامج بدأ الشيخ مسعود يفجر قنابله واحدة بعد الأخرى فقال: إن الشرب يؤدي بالضرورة لشرب المحرمات كالمسكرات وإن من استحل الشرب فقد استحل تلك المحرمات، ومن استحل تلك المحرمات فقد كفر وارتد ويجب أن تقام عليه الحجة ويستتاب فإن تاب وإلا قتل.. ففتح معد البرنامج فمه من فرط الدهشة وقبل أن يقول شيئاً عاجله الشيخ مسعود بالقول إن التنفس يؤدي بالضرورة لاستنشاق المحرمات مثل الدخان والمسحوق المخدر ومن استحل التنفس فقد استحل هذه المحرمات وهو كافر مرتد.. ورفع معد البرنامج الذي كان على الهواء مباشرة يديه معترضاً ومندهشاً لكن الشيخ مسعود عاجله بالقول والأكل أيضاً لابد أن يترتب عليه أكل المحرمات وكل من استحل الأكل فقد استحل هذه المحرمات، ومن استحل هذه المحرمات فقد كفر وارتد.. وحينئذ لم يتمالك معد البرنامج نفسه فغشته موجة ضحك شديد (حتى استلقى على قفاه) فسقط من الكرسي على الهواء مباشرة.
نهض معد البرنامج، وأعاد الكرسي إلى وضعه وجلس وهو لا يزال يضحك، ومن حسن حظه أن الشيخ مسعود قد انتهى من إلقاء قنابله.. ولذا قال له هل انتهيت..؟؟ فقال الشيخ مسعود.. لدي مئات الحالات على هذه الشاكلة ولكن هذا يكفي الآن.
كانت موجة ضحك معد البرنامج قد هدأت فألقى نظرة طويلة متفحصة على الشيخ مسعود وقال: ماذا تقصد بكل ما قلته..؟ سيأخذونك إلى دار للأمراض العقلية... فقال الشيخ مسعود.. لا.. أنا لم أخرج عن آراء واستنتاجات غيري.. من حقي التعبير عما أراه.. وإذا خالف رأيي غيري من العلماء فمن حق المتلقي لفتواي وفتوى غيري أن يأخذ بما يرى أنه الأصوب.. كما أنه بسبب ضعف الإنسان فإنه يكون غير قادر على الأخذ بأوجه الحلال وترك أوجه الحرام في المواقف التي تواجهه في الحياة فالحرام يفرض نفسه شاء من شاء وأبى من أبى، وكما أن هذا يحصل في الاختلاط فإنه يحصل في الأكل والشرب والتنفس... وأرخى معد البرنامج رأسه وهو يهزه ويبتسم.. ثم أنهى البرنامج بتوجهه للمشاهدين بالقول.. سمعتم ما قاله الشيخ.. نحن أعطيناه الحرية ليقول ما يشاء.. وأنتم أحرار في قبول ما قال أو رفضه.. أي أحرار في الأكل والشرب والتنفس أو الموت.. فاعترض الشيخ وهو يقول.. لماذا أحرار..؟؟ كل شيء لابد أن يؤدي بالضرورة إلى أشياء أخرى رغماً عنهم... ثم صرخ وقال لقد ذكرتني... الاستماع.. الاستماع... فالاستماع لابد أن يؤدي بالضرورة إلى الاستماع للأغاني وإلى ما هو أسوأ من الأغاني من الأمور المحرمة ومن استحل الاستماع فقد استحل... واعترضه المذيع وقال أرجوك لا تكمل دعنا من الاستماع.. لكن الشيخ قال.. والمشاهدة.. المشاهدة تؤدي بالضرورة.. فتم قطع البرنامج فجأة ومعده يرفع يده للمشاهدين وهو يضحك.. أما الشيخ مسعود فكان يرفع يده هو الآخر ويقول.. وسوق الأسهم.. تراه يؤدي بالضرورة... واختفت الصورة.
ثم خرج معلق على الفتوى يقول إن هناك فرقاً بين الاستباحة والممارسة.. والشيخ مسعود كفر المستبيحين ولم يكفر الممارسين.. فكلوا واشربوا وتنفسوا واستمتعوا وشاهدوا ولكن لا تستبيحوا.