يوسف أحمد الزومان
بصراحته المعهودة أكد القائد العام لشرطة دبي الفريق ضاحي خلفان وجود جواسيس في منطقة الخليج من جنسيات غربية وشرقية تعمل لدى جهات استخباراتية أجنبية، ودعا الفريق خلفان الجواسيس لمغادرة المنطقة خلال أسبوع وإلا ستدور عليهم الدوائر ويواجهون ملاحقة من قبل الأجهزة المعنية كافة.
لا جدال في أن ما قرره الفريق خلفان صحيح بحسب أن هذا التصريح والتأكيد يأتي من أحد كبار المسؤولين عن الأمن في إمارة دبي ودول التعاون. وفي اعتقادي أن هذا التصريح الخطير يؤكد مدى الحاجة إلى يقظة أجهزة الأمن في دول الخليج وإعادة النظر في كافة إجراءاتها الأمنية، خاصة تلك المتعلقة بدخول وخروج ومرور الأجانب بعواصم دول التعاون.
الجميع يعلم بأن عشرات الملايين من الأجانب ممن يحملون الجنسيات الغربية والشرقية يدخلون ويخرجون ويمرون عبر مطارات هذه الدول وتفيد الإحصاءات أن 40 مليون مسافر يستخدمون مطار إمارة دبي سنوياً، بالإضافة إلى عشرات الملايين من خلال مطارات أبوظبي والدوحة والمنامة والكويت وعمان والسعودية.
لقد تنافست دول المنطقة في السنوات الأخيرة على فتح مطاراتها وموانيها بشكل غير مسبوق لكافة الجنسيات، وأصبحت منطقة عبور يحتشد في مطاراتها يومياً مئات الآلاف من المسافرين الأجانب يعبرون من الشرق إلى الغرب أو العكس، وذلك بفضل الأساطيل الجوية التي تسابقت دول الخليج على تأسيسها وشراء أفخم الطائرات المدنية وأغلاها، ووصلت طائرات دول الخليج إلى معظم المدن في القارة الآسيوية والأوروبية وأميركا وأستراليا وأميركا الجنوبية في تنافس غير مبرر بين شركات طيران دول المنطقة للاستحواذ على أكبر نسبة من المسافرين والركاب القادمين والمغادرين والعابرين. كل ذلك استلزم معه فتح المطارات الخليجية أمام الأجانب والتساهل في منح التأشيرات لدخولهم دول المنطقة، إلى درجة أنه تم تخويل بعض شركات الطيران الخليجية سلطة منح تأشيرات دخول إلى دول المنطقة لمن يسافر على متن طائراتها وأعطيت الفنادق تسهيلات في الحصول على تأشيرات سياحية لمرتاديها، وهي أمور خطيرة تهدد أمن وسلامة هذه الدول.
كما أن اهتمام دول المنطقة باستضافة وإقامة المؤتمرات المختلفة على مدار السنة، وإقامة الدورات والمسابقات الرياضية كل ذلك يسمح بدخول عشرات الآلاف من الأجانب من كافة أصقاع الأرض إلى هذه الدول، مما يسهل على أجهزة المخابرات الدولية إدخال جواسيسها ورجالها تحت عدة مسميات مع تكرر دخولهم وزيارتهم مما يسمح بالحصول وجمع معلومات غاية في الدقة عن المجتمعات الخليجية في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية وغيرها واستخدام تلك المعلومات الاستخباراتية في الوقت المناسب.
من هنا وإزاء هذا الإسراف في منح تأشيرات دخول الأجانب إلى دول المنطقة فإنه ليس مستغرباً أن تدخل إلى عواصم هذه الدول جحافل من رجال المخابرات والجواسيس وعصابات المخدرات وغسيل الأموال والمحتالين والنصابين الدوليين وغيرهم والخروج من هذه الدول والعبور بحرية تامة. وهذا ما أكدت عليه التقارير الصحافية مؤخراً من أن هناك المئات من رجال المخابرات والجواسيس الأجانب يجوبون دول المنطقة وغيرها بوثائق سفر مزورة وغيرها، وأن الأمر ليس جديداً ولا غرابة في الأمر!
واعتبرت بعض التقارير أنه بالنظر إلى انفتاح إمارة دبي على الآخرين وتقديمها تأشيرات دخول مجاناً للعديد من مواطني دول الاتحاد الأوروبي عند وصولهم لمطار دبي جعلت منها المكان الأمثل لتنفيذ عمليات استخباراتية. وجميع الشواهد تدل على ذلك من ازدياد لمعدلات جرائم النصب والاحتيال وغسيل الأموال وجلب المخدرات وإعادة تصديرها وجرائم القتل، وما إلى ذلك من جرائم دخيلة وغريبة على المجتمعات الخليجية الآمنة المسالمة.
الواقع يؤكد لنا أكثر فأكثر أن هذا الانفتاح الذي تنتهجه دول التعاون لا بد من إحاطته بضوابط وإجراءات تحفظ لهذه الدول أمنها وسلامتها وسلامة مواطنيها في الحاضر والمستقبل. وأهم هذه الضوابط والإجراءات هي التقليل من هذا الإسراف والتساهل في منح تأشيرات الدخول للأجانب وضرورة فرض رقابة وقيود وإجراءات صارمة على منح التأشيرات للأجانب كما تفعل أغلب الدول.
نعلم أن هناك العديد من دول العالم لا تتشدد في دخول الأجانب إليها مثل تركيا وتايلاند ومصر على سبيل المثال إلا أنه لا وجه للمقارنة بين هذه الدول ودول التعاون لجملة أسباب، منها الكثافة السكانية الكبيرة والمساحة الشاسعة لتلك الدول والتي يعتمد دخلها القومي على السياحة بالنظر إلى ما تملكه من مقومات سياحية مختلفة جعلت منها دولاً سياحية مهمة يقصدها ملايين السياح من كل مكان، فهي لذلك تتساهل في منح تأشيرات الدخول إليها.
وبالنظر إلى قلة عدد سكان دول التعاون وصغر مساحتها وعدم وجود أي مقومات سياحية لدى معظمها سواء من ناحية المعالم الأثرية والمناطق الطبيعية والطقس المناسب بالإضافة إلى افتقادها إلى البنية التحتية السياحية -عدا إمارة دبي- وكذلك اعتماد اقتصادياتها بشكل رئيسي على النفط ومشتقاته كل ذلك يجعل دول المنطقة في غير حاجة ضرورية اقتصادية ومالية إلى جذب هذه الأعداد الهائلة من الأجانب وتسهيل دخولها إلى دول المنطقة، وعلينا أن نوجه اهتمامنا للتركيز على السياحة البينية بين دول المنطقة، لأنها هي الأجدى.
ونحن لا نقصد هنا الدعوة إلى الانغلاق، ولكن يجب أن يكون الانفتاح لدواعٍ ضرورية، وحتى لا يتحول هذا الانفتاح إلى ثغرة أمنية خطيرة تهدد أمن وسلامة هذه الدول.
أخيراً علينا الحذر التام، لأن دولنا باتت الآن ضمن منطقة حساسة جداً معرضة في أي لحظة للانفجار، ويكفي أن دول التعاون قريبة جداً من بؤر صراعات دولية في أفغانستان وباكستان والعراق وغيرها من الدول غير المستقرة سياسياً واجتماعيا واقتصادياً مما يجعل دول مجلس التعاون نقطة جذب للعديد من العناصر التي قد تجد في هذه الدول ملجأ لها مع ما تحمله هذه الرغبات من مخاطر أمنية عديدة منها ما أكده الفريق ضاحي خلفان.
التعليقات