محمد حسين اليوسفي
يحلو لكثير من العراقيين، من كل الأطياف السياسية: بقايا شيوعيين وبعثيين، منتمين إلى أحزاب دينية شيعية وسنية، ومحللين ليبراليين، أو لا منتمين، أن يبسطوا الوضع العراقي بإرجاع مشاكله للتدخلات الخارجية من دول الجوار.. وبادئ ذي بدء، لا بد من التأكيد على أن laquo;العامل الخارجيraquo; مهم في أي وضع داخلي غير مستقر.. ينطبق هذا على الثورات الأميركية، والفرنسية والروسية والصينية والكوبية والإيرانية وغيرها، وكل التغيرات المهمة التي حصلت هنا وهناك وهنالك، إذ إن لحظة التغيير وما يعقبها من laquo;إعادة رسم النظامraquo;، هي اللحظات التاريخية المناسبة لفعل القوى الخارجية ولتحقيق طموحاتها المختلفة.
غير أن قابلية laquo;التأثرraquo; بالعامل الخارجي تعتمد على أوضاع البلاد الداخلية، ومدى انسجام قواها السياسية، ووعيها، فضلاً عن تضامن عناصر بنيتها الاجتماعية وتماسكها.. هذه العوامل لم تكن محل نظر قوى التغيير في العراق يوم أن كانت في laquo;المعارضةraquo;، حيث كانت ترسم صورة مبسطة ووردية للعراق بعد الإطاحة بنظام صدام حسين.. لم يكن هؤلاء يريدون قراءة مؤلفات د.علي الوردي، وإن قرؤوها، فالأرجح أنهم كانوا يتهمونه بشتى الاتهامات، كل بحسب منطلقه.. فالطائفية خلقها laquo;النظامraquo;؛ وكأن الكوفة في السويد، والعتبات المقدسة في الأرجنتين، وحزب البعث -بطرحه laquo;الشوفينيraquo;- قد أوجد المشكلة الكردية، وهذه المشكلة ستحل بلمح البصر حينما يختفي هذا الحزب، فتصبح الدولة laquo;فيدراليةraquo;، وستتحقق المساواة القومية على أرض الرافدين، كما تحققت في الاتحاد السويسري!! كانوا يقولون ذلك وهم يرون بأم أعينهم انهيار يوغوسلافيا واندلاع حرب البلقان، وانفصال تشيكوسلوفاكيا، وتهدم الاتحاد السوفييتي.
لم نكن نلقي باللائمة على laquo;المعارضة العراقيةraquo;، (وإن كنا نراها حالمة)، فمن عاش تحت حكم صدام حسين الرهيب، والذي عشنا سبعة أشهر منه تعتبر كسبع سنوات، كان لا بد أن يحلم وأن يفعل المستحيل للتخلص منه.
غير أن إلقاء اللوم على دول الجوار، على ما يجري في العراق، هو تبسيط مخل بالصورة الحقيقية والمعقدة لتركيبة العراق الحديثة، ولو كان لدول الجوار أدنى تأثير لتوحدت قائمة laquo;دولة القانونraquo; مع laquo;الائتلاف الوطنيraquo; أو لحصلت قائمة laquo;علاويraquo; على فوز ساحق، أو لما تجرأ مقتدى الصدر على إجراء استفتاء بين أتباعه لاختيار مرشحهم لرئاسة الوزراء.. وقس على ذلك الكثير.
نريد من إخواننا العراقيين أن يشخّصوا حال بلدهم بصورة صحيحة، وأن ينزلوا إلى الشارع ليناضلوا نضالاً حقيقياً، كما كانوا يفعلون في فترة الخمسينيات والستينيات، ليحصّنوا تجربتهم الجديدة، وليدفعوها قدماً إلى الأمام، بدلاً من إلقاء اللوم على تدخل الآخرين.
التعليقات