خيرالله خيرالله
تطرح الاشتباكات التي شهدتها قاعدة عسكرية فلسطينية في منطقة البقاع اللبنانية مجددا مشكلة اسمها السلاح الفلسطيني في لبنان. كانت الاشتباكات بين عناصر من الجبهة الشعبية - القيادة العامة التي يتزعمها السيد احمد جبريل وأدت الى سقوط قتيل وبضعة جرحى. خلاصة الامر ان تمردا داخليا حصل داخل احدى القواعد التابعة للجبهة تطور الى اشتباكات. اذا كانت هذه الاحداث تدل على شيء، فانها تدل على الحاجة الى وقف التعاطي مع لبنان بصفة كونه quot;ساحةquot; وان ارضه مستباحة لكل من اراد الدخول في لعبة مزايدات لا طائل منها خدمة لهذا الطرف الاقليمي او ذاك، اكان هذا الطرف عربيا او غير عربي.
هل يريد الفلسطينيون التعلم من تجارب الماضي القريب عن طريق التوقف عن اللجوء الى السلاح في الاراضي التي لديهم وجود فيها؟ في النهاية، يمكن تفهم لجوء الفلسطينيين الى حمل السلاح في الضفة الغربية وغزة، علما ان السلاح عاد عليهم دائما بالويلات بدليل نتائج الحرب الاخيرة التي تعرض لها قطاع غزة. ولكن ما ليس مفهوما هو لماذا لديهم قواعد عسكرية في لبنان ولماذا هذا الاصرار على تحدي الاجماع اللبناني، خصوصا بعدما توصلت طاولة الحوار بين اللبنانيين من كل الفئات والاحزاب والطوائف والمذاهب الى قرار بضرورة الانتهاء من السلاح الفلسطيني خارج المخيمات. هذا السلاح اساءة الى لبنان وفلسطين في الوقت ذاته وهو يضع اللبنانيين في مواجهة، هم في غنى عنها، مع منظمات فلسطينية تعتبر نفسها في موقع معارض مع السلطة الوطنية الفلسطينية.
لا شك ان من حق هذه المنظمات، على رأسها quot;القيادة العامةquot; الاعتراض على السلطة الوطنية الفلسطينية وسياساتها وممارساتها من منطلقات خاصة بها قد لا يوافق عليها الانسان العاقل. لكن السؤال يبقى كيف تكون لهذا الاعتراض فعالية من اي نوع كان انطلاقا من قواعد عسكرية في الاراضي اللبنانية لا تشكل سوى اعتداء على سيادة لبنان؟
آن وقت اتخاذ قرار شجاع يقضي اول ما يقضي بالانتهاء من هذه القواعد التي هي وصمة عار على وجه فلسطين ولبنان. فما لا بد من الاعتراف به اولا ان لا قيمة عسكرية لهذه القواعد. اكثر من ذلك، ان لبنان استطاع الصمود الى حد كبير في حرب صيف العام 2006 بفضل مقاتلي quot;حزب اللهquot; الذين ابلوا البلاء الحسن في المواجهة مع العدو الاسرائيلي. خسر لبنان كثيرا في حرب صيف العام 2006. لحق به تدمير كبير واضطر مئات الاف المواطنين الى ترك منازلهم. اكثر من ذلك، لا تزال هناك الى الان منازل مهدمة لم يستطع اصحابها الحصول على التعويضات التي وعدهم quot;حزب اللهquot; بها. هذا امر متروك البحث فيه بين اللبنانيين انفسهم. لكن الملفت ان القواعد الفلسطينية خارج المخيمات لم يكن لها اي دور في حرب صيف العام 2006 وهي موجودة فقط لتأكيد ان لبنان ارض فالتة وان المؤسسات اللبنانية، في مقدمها الجيش، غير قادرة على السيطرة على الاراضي اللبنانية كلها.
متى نظرنا الى تجربة لبنان مع السلاح الفلسطيني، خصوصا مع سلاح quot;القيادة العامةquot;، نجد ان لا فائدة من هذا السلاح في اي شكل من الاشكال. تكفل السلاح الفلسطيني بزج الفلسطينيين في حروب داخلية عادت على قضيتهم باضرار هائلة. المؤسف ان لبنان، بسبب تركيبته الداخلية المعقدة، لم يستطع وضع حد لانتشار السلاح الفلسطيني في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي. وقد شاركت quot;القيادة العامةquot; بشكل فعال في حروب داخلية لبنانية وكان لمقاتليها دور اساسي في تدمير الفنادق الكبيرة التي كانت قائمة في وسط العاصمة، خصوصا في منطقة الزيتونة وعين المريسة المطلتين على البحر. تولت quot;القيادة العامةquot; تفجير هذه الفنادق الواحد بعد الاخر. كان التخلص من الفنادق بحجة ان فيها مقاتلين من الاحزاب المسيحية هدفا بحد ذاته في العامين 1975 و1976. الان هناك اجماع لبناني على امر ما. للمرة الاولى في تاريخ لبنان الحديث يحصل مثل هذا الاجماع على قضية مهمة، هي السلاح الفلسطيني خارج المخيمات. هل كثير على quot;القيادة العامةquot; ان تقدم ولو لمرة واحدة خدمة الى لبنان، لعلّ ذلك يكفر عن بعض ذنوب الماضي.
بعض التواضع يبدو ضروريا هذه الايام، خصوصا من جانب quot;القيادة العامةquot; وما شابهها من منظمات فلسطينية تسعى الى التخلص من السلطة الوطنية الفلسطينية ومشروعها السياسي المرتكز على التفاوض والنضال السلمي من اجل التخلص من الاحتلال واقامة الدولة المستقلة. لا جدال في ان لهذه المنظمات وجهة نظر خاصة. ولكن يبقى ما دخل لبنان في ذلك، وكيف يمكن للاعتداء على سيادته المساهمة في مشروع تحرير فلسطين من البحر الى النهر او من النهر الى البحر، لا فارق. هل لدى quot;القيادة العامةquot; وغير quot;القيادة العامةquot; جواب مقنع عن هذا السؤال؟
التعليقات