خيرالله خيرالله

ماذا بعد الانتخابات السودانية؟ لا بدّ من الاعتراف أوّلاً بأن الانتخابات الاولى من نوعها في السودان منذ ربع قرن تقريبا كانت خطوة في الاتجاه الصحيح، على الرغم من أن المعارضة وجدت ان لا بد من مقاطعتها. كان انسحاب الصادق المهدي قبل ايام من موعد الانتخابات اشارة قوية إلى ان القوى السياسية الحقيقية في البلد لا تؤمن بأن العملية الانتخابية ستكون نزيهة. مع ذلك، تبقى الانتخابات خطوة مهمة على طريق الوصول في مرحلة ما إلى نظام اكثر ديموقراطية لا يستغل فيه رئيس الدولة موقعه لحسم نتيجة المنافسة الانتخابية سلفا لمصلحته ولمصلحة حزبه المدعوم من الاجهزة الامنية.
تكمن اهمية المقاطعة التي بادرت إليها المعارضة في انها ستفقد الرئيس عمر حسن البشير، الذي وصل إلى السلطة عن طريق انقلاب عسكري، شرعية كان في حاجة ماسة إليها كي يستطيع القول انه وضع السودان على طريق نظام ديموقراطي قائم على التعددية الحزبية. هناك الآن تعددية حزبية في السودان. لكن التعددية هذه لم تكن ثمرة ممارسات النظام العسكري للبشير بمقدار ما انها جاءت نتيجة نضال طويل للشعب السوداني من أجل التخلص يوما من هيمنة النظام السياسي القائم منذ العام 1989 على الحياة السياسية في البلد.
في ظل النظام القائم، كان مستبعداً فوز احد غير البشير في الانتخابات الرئاسية. كان مطلوباً فقط ان تلعب المعارضة دور اضفاء الشرعية على الانتخابات ورئاسة البشير. وهذا ما رفضه الجنوبيون وزعماء الاحزاب التقليدية في الشمال في الوقت ذاته. على المحك في السودان مستقبل البلد لا اكثر ولا اقل. الموعد المهمّ للسودان هو في كانون الثاني- يناير المقبل حين سيكون الاستفتاء على وحدة البلد. هل يبقى السودان موحداً ام لا؟
تبدو الانتخابات خطوة على طريق التقسيم. ولذلك سارع الرئيس البشير إلى اعلان انه سيكون أول من يحترم نتيجة الاستفتاء الذي يعتبر جزءا لا يتجزأ من الاتفاق الذي توصل اليه الشمال والجنوب في العام 2005 والذي اوقف حربا اهلية امتدت سنوات طويلة. كان الزعيم الجنوبي جون قرنق، الذي وقع الاتفاق مع البشير ضمانة لتفادي التقسيم نظرا إلى ان الرجل الذي يمتلك شرعية سياسية ونضالية وقبلية لدى اهل الجنوب، كان يؤمن بالوحدة ويدعو إلى صيغة حكم تقوم على اللامركزية الموسعة. جاء مقتل قرنق بعد توقيع الاتفاق في حادث تحطم طائرة بمثابة ضربة قاضية لفكرة استمرار الوحدة بين شمال السودان وجنوبه. الآن، يمكن القول ان لا شعبية تذكر للوحدة في جنوب السودان، كذلك ليس ما يشير إلى ان الرئيس السوداني نفسه سيعمل شيئاً من أجل المحافظة على الوحدة. من هذا المنطلق، يمكن اعتباره صادقاً لدى تأكيده لأنه سيكون في طليعة من يعترف بدولة مستقلة في الجنوب في حال اسفر الاستفتاء عن رفض الجنوبيين للوحدة. لذلك، تبدو الانتخابات وكأنها جزء من سيناريو يصب في نهاية المطاف في مشروع تقسيم السودان. من الواضح ان البشير سياسي محنك. يكفي انه عرف كيف يستفيد من زعيم الاسلاميين الدكتور حسن الترابي لفترة معينة من أجل تثبيت ركائز حكمه قبل ان يتخلى عنه ويرسله إلى السجن مجددا. في مرحلة معينة كان يريد الانتهاء من الترابي لولا وساطة الرئيس علي عبدالله صالح. وثمة من يقول ان الرئيس اليمني تدخل مرتين من أجل انقاذ حياة الترابي الذي كانت لديه في مرحلة معينة احلام تتجاوز السودان.
عودة إلى البداية. أي سودان بعد الانتخابات؟ الجواب الصريح ان السودان سيكون مقسما بعد الاستفتاء المقرر مطلع السنة 2011. سيكون الشمال تحت قبضة البشير في ضوء نتائج الانتخابات. ولكن هل الجنوب دولة قابلة للحياة، على الرغم من امتلاكها ثروة نفطية؟ الجواب للأسف الشديد ان في الامكان الحديث منذ الآن عن دولة فاشلة، قبل ان تقوم هذه الدولة. في العادة، هناك دولة قائمة ذات تاريخ ما تتحوّل في مرحلة معينة إلى دولة فاشلة كما حال الصومال وافغانستان الآن أو كما حال باكستان بعد بضع سنوات. الجنوب لا يمتلك مقومات الدولة واوساط البشير تعتبره عبئاً على الخرطوم بغض النظر عن الثروة النفطية التي فيه. بعض الخبثاء يقولون ان الثروة النفطية الحقيقية في أراضي الشمال وان انفصال الجنوب سيساعد الخرطوم في التركيز على استغلال تلك الثروة وعلى التخلص في الوقت ذاته من مشاكل وتعقيدات هي في غنى عنها.
ولكن مَن يضمن ان لا يفتح انفصال الجنوب شهية مناطق ومحافظات اخرى تعاني منذ فترة طويلة من إهمال الدولة المركزية؟ مثل هذه المناطق والمحافظات يمكن ان تسعى بدورها إلى الانفصال. على سبيل المثال وليس الحصر، يمكن الاشارة إلى محافظة النيل الازرق وكردفان ودارفور. هل ما يحمي الخرطوم من شظايا انفصال الجنوب وقيام دولة عاصمتها جوبا؟ تبدو لعبة الانفصال لعبة خطيرة، خصوصا ان ليس ما يشير، اقله إلى الان، إلى وجود اتفاق على حدود دولة الجنوب. لا شيء يضمن عدم تجدد الحرب بين الجنوب والشمال بعد الانفصال. كذلك، ليس ما يضمن عدم نشوب حروب اهلية بين الجنوبيين انفسهم في حال حصولهم على دولة مستقلة. في النهاية، ان الجنوبيين قبائل ولا وجود لعقيدة أو زعيم يوحد بينهم...
يريد عمر حسن البشير من الانتخابات ان تكون خطوة على طريق تثبيت سلطته ونظامه في الشمال. لا شك انه سياسي ذكي يعرف تماما ماذا يريد ويعرف خصوصا كيف يناور. ولكن ماذا سيحمي الخرطوم من شظايا انفصال الجنوب. وماذا سيحمي البشير نفسه في المستقبل من المحكمة الجنائية الدولية التي وجهت اليه اتهامات عدة وطالبته بالمثول أمامها بسبب ما جرى في دارفور؟
في كل الاحوال، يبدو السودان مقبلا على تطورات كبيرة تتجاوز حدوده. ما سيحصل جزء من عملية اعادة رسم خريطة الشرق الاوسط والمنطقة المطلة على البحر الاحمر. من قال ان الصوملة ستتوقف عند حدود معينة؟