بلال الحسن


لا يزال حديث المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية، هل تبدأ أو لا تبدأ؟ الشغل الشاغل للقوى المحلية والعربية والدولية. الكل على مستوى العالم مشغول بكلمة تصدر عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يقول فيها إنه قرر وقف الاستيطان في القدس وفي الضفة الغربية. ورغم انتظار الجميع لتلك الكلمة الذهبية، فإن نتنياهو يتمنع عن الجهر بها، فالجهر بها يعني سقوط ائتلافه الحكومي. ومع أن سقوط ائتلافه الحكومي لا يعني سقوطه من رئاسة الوزراء، فهو يستطيع أن يعيد تشكيل الحكومة بائتلاف جديد مع حزب كديما (تسيبي ليفني) ومع حزب العمل (إيهود باراك)، إلا أن نتنياهو يصر على أن يكون رئيسا للوزراء، ومن خلال ائتلاف مع اليمين الإسرائيلي المتطرف والعنصري، وعلى شاكلة وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، الذي أصبح إقصاؤه والتخلص منه مطلبا عالميا.

لماذا لا ينطق نتنياهو الكلمة الجوهرة التي ينتظرها منه الجميع؟ لأسباب متعددة منها: أن الضغط الأميركي عليه ليس قويا بحيث يجبره على الانصياع لهذا الطلب. ولأن أصدقاء نتنياهو الأميركيين يضغطون على الرئيس الأميركي باراك أوباما لكي يخفف من لومه الدائم لإسرائيل. وهناك سبب ثالث لتمنع نتنياهو، وهو أنه يعرف بدقة اللعبة الأميركية في تهديد إيران، وجوهر هذه اللعبة أن أميركا تهدد إيران بإسرائيل، ولا يستقيم مع المنطق تهديد إيران بإسرائيل ثم إضعاف إسرائيل بالضغط عليها لصالح الفلسطينيين والعرب، إذ لا بد أن تبقى إسرائيل قوية حتى يمكن تخويف إيران بها، ولا بأس أن يدفع الفلسطينيون والعرب ثمن ذلك، ويمكن لبلادة الوسيط جورج ميتشل أن تمتص الغضب الفلسطيني والعربي، لتتم معالجته في مرحلة لاحقة.

وبينما تستمر هذه اللعبة الأميركية السمجة مع نتنياهو، يتوجه الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى الصين، بلد الحكمة والحكماء، لعله يجد هناك حلا لمعضلات سياسية تعترضه.

ذهب الرئيس محمود عباس إلى الصين بعد أن عقد اجتماعا لقيادة حركة فتح، وكان اجتماعا متميزا وصاخبا، برز فيه طامحون كثيرون للحصول على المناصب. ولم يتورع بعضهم عن طلب المناصب لنفسه. لقد دارت في هذا الاجتماع معركة تخص حركة فتح حول اختيار نائب للرئيس عباس بعد أن تعرض مؤخرا لأكثر من وعكة صحية. وهو كان مستعدا لهذه المناقشة، فأعلن أنه يرشح زميله ورفيقه محمد غنيم (أبو ماهر)، الذي قدم مؤخرا من تونس لمساندته، ليكون الرئيس من بعده. ولكن محمود عباس فوجئ بأن الشباب الطالع، لا يتميز بالطموح فقط، بل وبالوقاحة أيضا، إذ بادر البعض مباشرة إلى رفض ترشيح محمد غنيم كنائب للرئيس، وطرح اسمه هو كمرشح لهذا المنصب. ولم يجد الرئيس عباس من مخرج لهذا المأزق (الحواري) سوى الاتكاء على الإجراءات القانونية، فقال إن اختيار نائب للرئيس يستدعي قرارا من المجلس التشريعي، وهذا المجلس معطل الآن بسبب الخلاف مع حركة حماس، ولذلك لا بد من التأجيل والانتظار.

ولكن قيادة فتح كانت أيضا على موعد مع معركة أخرى، إذ ثارت ثائرة البعض ضد حكومة سلام فياض، وهم يريدون تقويضها، وتشكيل حكومة جديدة، وهذا جائز وممكن. ما هو غير جائز وغير ممكن، أن يتم النقاش على قاعدة أن القيادة تريد فلانا لوزارة الأشغال، وفلانا لوزارة الخارجية، وفلانا لوزارة المالية، وفلانا لوزارة الداخلية، فقد مل هؤلاء القادة الجدد من العمل التنظيمي والجماهيري، ومن كل أشكال المقاومة السلمية، واشتاقوا إلى المهمات الوزارية، وإلى كل ما فيها من أبهة واستقبالات وتوديعات.. وربما صفقات. وبناء على هذا النقاش، ربما تستقيل حكومة فياض القائمة حاليا، وربما تتشكل حكومة جديدة تكون أغلب المناصب الأساسية فيها للطامحين من حركة فتح. ولكن مشكلة ستنشأ حول وزارة المالية. فالدول المانحة ترفض تقديم المال إلا إذا كان فياض شخصيا هو وزير المالية، وهنا سيتراجع الطامحون من حركة فتح عن laquo;كنزraquo; السلطة هذا ويقبلون بالكنوز الأصغر.

صراع حركة فتح مع حكومة فياض صراع قديم، ولكنه بدأ يشتد في الآونة الأخيرة، بعد أن استتب الأمر لنوع جديد من القادة، يجاهرون علنا بأنهم يريدون أن يكون لهم نصيبهم في السلطة. ولكن المسألة بدأت تأخذ بعدا آخر على الصعيد العالمي. فهناك منافسة لا شك فيها بين الرجلين محمود عباس وسلام فياض، وهناك بدء تململ عالمي من محمود عباس مع القول بأنه غير مقدام وغير ناجح، مع بدء ظهور إعجاب عالمي بسلام فياض باعتباره صاحب قرار، وصاحب فعل، وصاحب رؤية. فهو يريد دولة، وهو يريد بناء أجهزة الدولة، وهو يريد إعلانها ولو من طرف واحد. الخلاصة أن هناك تنافسا قائما فعليا بين الرجلين، سواء سعيا إليه أم لا. ونشاط فياض في التنقل بين المدن الفلسطينية، ورعاية نشاطات شعبية على الطريقة الأميركية، من نوع أكبر طبق مسخن، وأكبر طبق كنافة... إلخ، وتقديم مساعدات للكثير من المشاريع الاقتصادية الصغيرة، كل ذلك أبرز سلام فياض بصورة جديدة للمسؤول الفلسطيني لم تكن مألوفة من قبل. وإذا كان هذا التنافس بين الرجلين قد بدأ عفويا، فإنه لفت الأنظار دوليا، وربما قال البعض: ولم لا؟ فانحاز هؤلاء إلى تأييد عباس، وانحاز أولئك إلى تأييد فياض. أما القرار الأنسب فيتم اتخاذه في الوقت المناسب.

وهنا لا بد أن كثيرين لاحظوا، وفي ثنايا الحديث الصحافي الذي أدلى به الرئيس قبل سفره إلى الصين، أن حديثه لم يخل من مواقف معارضة لموقف فياض، وتعبر عن روح المنافسة. فإذا كان فياض قد أعلن أنه يريد إنشاء الدولة بقرار فلسطيني، فإن عباس يقول في الحديث الصحافي إنه laquo;لا يوافق على إعلان أحادي الجانب للدولة الفلسطينية، ونحن نريد إعلان دولتنا باتفاق دوليraquo;.

وهكذا نلحظ أن السلطة الفلسطينية تخوض في هذه الأيام معارك عدة، تبدأ من المعارك مع الدول العظمى، ولا تنتهي بمعارك حول مستقبل ياسر عبد ربه وهل يبقى مسؤولا عن الإعلام الرسمي الفلسطيني أم تتم تنحيته لتعود حركة فتح وتسيطر على هذا الإعلام؟ فهناك معركة مع واشنطن يقول عنها محمود عباس laquo;إن واشنطن لم تبذل جهدا كافيا للضغط على إسرائيل لتحقيق السلامraquo;. وهناك معركة مع قيادة فتح حول خلافة عباس واختيار نائب للرئيس منذ الآن، ولكن عباس يرفض ويقول laquo;إن الظروف الآن لا تسمح بذلكraquo;. وهناك معركة مع الطامحين إلى المناصب الحكومية إذا تقرر تشكيل حكومة جديدة، وهنا يقول عباس إنه laquo;لن يخضع لأي ابتزاز عبر فرض تغييراتraquo;.

وتدور كل هذه المعارك بينما تتجول الدوريات الإسرائيلية في كل المدن الفلسطينية، وبينما تبدأ إسرائيل ممارسة قرار الترانسفير والإبعاد ضد كل فلسطيني لا يحمل أوراقا إسرائيلية، وبينما يتواصل بناء الكنس اليهودية حول المسجد الأقصى، وبينما... وبينما.

ولكن يبدو أن هذه الصورة هي العينة التي ستستمر وتتصل وتتوالى.