سعد بن طفلة

معظم دول العالم ومنظماته الإنسانية والمدنية أدانت جريمة إسرائيل باعتراض أسطول المساعدات المتجه إلى غزة المحاصرة.

وحصار غزة تعاونت عليه إسرائيل وحماس. إسرائيل قامت على جرائم منذ نشأتها، ولم تخالف طبيعتها الإجرامية في اعتراضها للسفن في المياه الدولية. وحماس متمسكة بالسلطة بقوة وببطش وبالقتل لكل من يخالفها، والضحية هو الإنسان الفلسطيني. هذه زبدة الموضوع، laquo;شاء من شاء وأبى من أبىraquo;، مثلما كان يردد القائد الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. ما قام به laquo;أسطول الحريةraquo; عمل بطولي وإنساني بكل المقاييس، فبغض النظر عن التفاصيل والأسباب والمسببات، لكن هدف وفكرة القافلة البحرية نبيل وعظيم. laquo;الحصارraquo; كلمة مشتقة من laquo;حصرraquo;، ومنها laquo;الحصيرraquo; الذي يعني laquo;الحبسraquo;، قال تعالى: laquo;وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًاraquo;. وlaquo;الحصارraquo; هو المغص المعوي أو عدم القدرة على التبول، ويبدو أن من مشتقاتها الحديثة laquo;حصرraquo; بمعنى الحساب، كأن يقال: laquo;إن الطواقم الطبية وجدت صعوبة في (حصر) أعداد الضحاياraquo;.

يتعرض أهل غزة للحصار وفوقها المرمرة، وlaquo;المرمرةraquo; تعني باللهجة الخليجية laquo;الشحططةraquo; بلغة أهل الشام وlaquo;البهدلةraquo; في مصر. واشتقت laquo;المرمرةraquo; خليجيا من laquo;المرارةraquo; والطعم المر، فتكرار المقطع الصوتي يعني تكرار الفعل، فـlaquo;هَدَمraquo; تختلف عن laquo;هدّمraquo;، وlaquo;قَتَلraquo; توحي بارتكاب الفعل مرة واحدة، بينما تعني كلمة laquo;قتّلraquo; تكرار عملية القتل. وlaquo;المرمرةraquo; تعني تذوق المر مرارا وتكرارا وليس مرة واحدة.

وتعني laquo;المرمرةraquo; التعذيب البيروقراطي، فيقول الواحد: laquo;مرمرة وعذاب هالمعاملة في الوزارة الفلانيةraquo;. ولعل المرمرة البيروقراطية من المظاهر القليلة التي تجمع العرب وتوحدهم من المحيط إلى الخليج، فالإنسان العربي يتمرمر ويتشحطط ويتبهدل بين أروقة مؤسساتنا الحكومية، وتحاصره الرشاوى والفساد والتخلف الإداري.

وlaquo;المرارةraquo; أو الحويصلة الصفراوية هي العضو الذي يساعد على هضم الدهون في الجسم، واستئصاله في الغالب يتم دون مشكلات صحية لاحقة، ومع أنه يعتبر عضوا يمكن الاستغناء عنه فإنه عضو يرتبط بالقهر والظلم، فيقال في اللهجة: laquo;فلان طقّت مرارتهraquo; أي انفجرت غضبا وغيظا وقهرا. ويقال: laquo;شي يطق المرارةraquo; أي أنه مزعج وشديد المرارة. ولا أعرف لماذا ارتبطت المرارة بالقهر والذل، مع أن laquo;الحلاوةraquo; وأكل الحلو قد يتسبب في مرض العصر الخطير، السكّر، إلا أننا لا نعرف مرضا يسمى laquo;المرارةraquo;، بل العكس هو الصحيح: فالمر أو المُرّة - وهي كذلك بالإنجليزية (myrrh) - تعتبر علاجا لكثير من الأمراض، وكانت أمي - رحمها الله - تسقينا صغارا الماء المنقوع به مُرة كدواء ومضاد حيوي. والمرة شجرة شائكة الأغصان وتعطي رائحة جميلة حين يخرج منها المر، ومن المفارقة أن المرة تستخدم في صناعة العطور ومواد التجميل.

السفينة التي قادت laquo;أسطول الحريةraquo;، والتي تعرضت للمذبحة الإسرائيلية، اسمها laquo;مرمرةraquo;، واسمها مشتق من بحر laquo;مرمرةraquo; المشتق من رخام المرمر الذي تشتهر به جزر laquo;مرمرةraquo; الواقعة في هذا البحر الذي يربط البحر المتوسط بالبحر الأسود. ولقد تمرمر أهل هذه السفينة التي دخلت التاريخ، وأحسب أن الأتراك سيحولونها يوما إلى متحف شاهد على الجريمة.

تعيش إسرائيل حصارا دبلوماسيا دوليا هذه الأيام، فمذبحة laquo;مرمرةraquo; تعقب إخفاقا إسرائيليا في إخفاء آثار جريمة اغتيال المذبوح في دبي، وتسجل انتكاسة لصورة إسرائيل laquo;الوديعة المسالمة والديمقراطيةraquo;. لقد انقلب السحر على الساحر، فأشد حلفاء إسرائيل - الولايات المتحدة الأميركية - تشعر بالحرج الشديد من حليفها المدلّل، والجريمة حدثت في المياه الدولية لدولة صديقة لإسرائيل ولأميركا، وعضو في حلف الناتو، وآثارها لن تتوقف في المستقبل القريب.

لكني أضع يدي على قلبي من حماقة نرتكبها فتنسي العالم الجريمة الإسرائيلية، وأخاف من عدم استغلال العرب للضعف الإسرائيلي على الساحة الدولية، فيستمر حال غزة المنكوبة بين الحصار والمرمرة!