حسن مدن

يروي الدكتور عبد السلام المسدي أنه عندما أنشئت جامعة الدول العربية في عام ،1945 تم التوقيع على الاتفاق الثقافي العربي وتشكيل جهاز للثقافة ضمن هياكل الجامعة، وقد تداول أمر تلك اللجنة سادة أجلاء من رموز الفكر العربي كان من أبرزهم عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين .

وطبيعي أن العميد لم يكن كغيره من المشرفين، فهو صاحب المشروع الثقافي المتكامل الذي كان قد صاغه في كتابه المهم: ldquo;مستقبل الثقافة في مصرrdquo; .

وحين عهدت إليه أمانة الثقافة ضمن هياكل جامعة الدول العربية وجد الفرصة مؤاتيةً للإفصاح عما في ذهنه من مشاريعٍ كان يوّد لو أنها تحققت، فتقدم بمشروعٍ لترجمة أعمال وليام شكسبير، وراح يخطط لاستثمار الكفاءات بغية الإنجاز الأمثل .

حينها قامت الدنيا عليه: ldquo;هل ما ينقص العرب هو مسرحيات شكسبير فقطrdquo;؟ وأسئلة تفصيلية أخرى عن مدى سداد الفكرة ومدى صواب إنفاق الأموال عليها .

لم يكن طه حسين من النوع الذي ينحني للعاصفة حتى تمر، فقد دخل حلبة النقاش بطريقته الحوارية التي يعرفها قراؤه جيداً، ونازل خصوم فكرته بمقال عنونه: ldquo;وما زال الغيث منهمراًrdquo; .

ومن الصعب الآن تحديد ما إذا كان طه حسين يوم ذاك على صواب لو نظرنا إلى الأمور من زاوية الأولويات: هل كان على الجامعة العربية في حينه أن تنصرف نحو ترجمة مسرحيات شكسبير أو إلى ما هو أهم وأكثر إلحاحاً؟

لكن الأهم من هذه المحاورة ما ذهب إليه طه حسين في نطاق رده على معارضيه، حين أشار إلى أن الجامعة العربية يوم ذاك تفهم نفسها أكثر مما يفهمها أولئك الذين انتقدوا فكرته .

وحديث طه حسين في ذلك الوقت عن أن السياسيين في إشارته للجامعة العربية كجهاز سياسي عربي كانوا أبعد نظراً من المثقفين، حين قررت الجامعة مبكراً تشكيل جهاز للثقافة ضمن أجهزتها يبدو غريباً أو غير متسق مع النظرة الشائعة اليوم عن كون السياسيين هم بالذات من يهمش الثقافة، ولا يعطيها ما هي أهل له من اهتمام .

ما يرمي إليه طه حسين كان أبعد، لأنه مقتنع بأن المشاريع الثقافية الكبرى، كالمشاريع التعليمية الكبرى، لا يمكن أن تنجز من دون أن يجري تبنيها من الدولة التي يجب أن تكون معنية بها، كما هي معنية بمشاريع الخدمات الحيوية الكبرى المقدمة للجمهور .