عاطف الغمري
الآن، من بعد انتخابات مجلس الشورى المصري، وحتى مجلس الشعب، وانتخابات الرئاسة، نكون قد دخلنا حقبة انتخابية، وفي هذا المناخ لا يغيب عن الذاكرة، ما كان قد تردد من جانب الحزب الوطني وبعض أحزاب المعارضة على السواء، من أن ما حدث من مشاركة أقل من 24% ممن لهم حق التصويت، في الانتخابات البرلمانية عام ،2005 هو في نظرهم يمثل حركة احتجاجية من الذين لم يدلوا بأصواتهم . وأنهم سوف يولون هذه الظاهرة ما تستحقه من الدراسة والتحليل . وكان هذا منذ خمس سنوات .
وما حدث أن أقل من 5 .7 مليون من بين 32 مليون ناخب مدرجين في جداول الانتخابات، هم الذين أدلوا بأصواتهم، أي أن 77% تقريباً لم يشاركوا فيها، هذا بالمقارنة بارتفاع النسبة في آخر انتخابات قبل ثورة يوليو والتي جرت في يناير/ كانون الثاني1952 وكانت النسبة 62 .60% .
إن الانتخابات لها وظيفة، وهي أن تكون تعبيراً عن أي تغيير في ميول الرأي العام واتجاهاته، وما يترتب على ذلك من إعادة توزيع مواقع القوى السياسية، حسب ما يرضاه الرأي العام، الذي تتأثر مواقفه بالظروف المحيطة داخلياً وخارجياً . وفي قلب هذه العملية السياسية، تمارس الأحزاب دورها، وبعد أن كان قد استقر في الفكر السياسي عبر تجارب مئات السنين، أنه لا ديمقراطية من دون أحزاب . . أحزاب تتنافس مع بعضها من موقع الندية .
ومنذ نشأت الأحزاب في القرن التاسع عشر ودورها قائم على أن تنشط وسط الرأي العام وأن تدفعه لأن يكون فعالاً، مجرداً من أي سلوكيات تنزع إلى اللامبالاة وعدم الاكتراث ويتأتي هذا من قدرة الحزب على بلورة رؤية سياسية واجتماعية حول القضايا التي يواجهها الوطن حاضراً ومستقبلاً، وصياغة أجندة لوضع رؤيته موضع التطبيق .
ثم إن قدرته على أداء هذا الدور تتشكل من التفاعل بينه وبين الحركة المجتمعية المحيطة، ومن استلهامه فكره من هذه الحركة .
ومن الأمور المستقرة أن الديمقراطية التي يعد وجود الأحزاب الفاعلة شهادة على وجودها، لها ثلاثة شروط مترابطة هي: حرية التعبير والتعددية الحزبية ووجود آلية تسهل تداول السلطة . إن الأحزاب ليست ظاهرة وفدت حديثاً لمصر، فقد عرفت مصر أول حزب وهو الحزب الوطني الأول عام ،1879 ثم بدأت الحياة الحزبية الحقيقية مع تكوين مصطفى كامل الحزب الوطني عام 1907 . ولم يكن هناك انفصال بين الحزب والشارع، وبمعنى أدق بينه وبين القضية الجماهيرية الأولى والملحة وقتها، وهو ما كان يمثل الأساس الذي ينبني عليه وجود الحزب واستمراريته .
ثم إن تعبير الدولة من ناحيتها عن مجمل الحركة المجتمعية هو الشاهد على حالة الدولة قوة أو ضعفاً، أي أن كليهما الدولة والأحزاب، تقع على عاتقها مهمة التواصل مع الحركة المجتمعية والتعبير عنها . واذا لم يتحقق للأحزاب هذا الاتصال التفاعلي مع الجماهير، فإن مثل هذه الأحزاب تتحول إلى كيانات ضامرة، تجف وتذبل مثل أوراق الخريف، حتى ولو بقيت معلقة على أفرع الشجر .
إن التحولات التي شهدها العالم في السنوات الأخيرة، وما زال يعيش تداعياتها، تستدعي أحزاباً قوية، تستمد طاقتها من هذه الشروط . وحتى تقوى بالتالي الحياة السياسية، وهذا أمر مطلوب وحيوي من أكثر من ناحية:
(1) إن حل المشكلات الداخلية أصبح يحتاج خيالاً خلاقاً، يرتفع فوق المستويات التقليدية للتفكير والممارسة، وهو ما يتوافر حين تكون الأحزاب تقودها نماذج نضجت فكراً وموقفاً، وبذلك تسهم في الحلول .
(2) إن التغير الجذري الذي لحق بالنظريات السياسية والاقتصادية في العالم، وتبعه تغير في نوعية الممارسات، يحتاج إلماماً بذلك كله، تسهم فيه مختلف العقول على تنوعها .
فقد تغير نموذج التنمية الاقتصادية والبشرية في العالم، وأعيد ترتيب أولوياته وتغير المفهوم التقليدي عن مكونات قوة الدولة ومكانتها ونفوذها كما تغير مفهوم الأمن القومي، الذي تتصدر مكوناته الآن، القدرة الاقتصادية التنافسية للدولة، بل إن فكرة الديمقراطية نفسها اتسع مدلولها لتصبح من أركان القدرة الاقتصادية، ومن مصادر قوة الدولة، إنها خط دفاع عن أمنها القومي .
وذلك كله في عالم انتقل من عصر الثورة الصناعية إلى عصر ثورة المعلومات بكل وسائله وأدواته . وإذا كان وجود أحزاب قوية شرطاً يشهد بأن هناك ديمقراطية، فليس أقل من ذلك أهمية، أن يكون المواطنون مشاركين في العملية الانتخابية، بتفوق نسبة المصوتين على نسبة الممتنعين والمحتجين . فالجانبان متصلان ببعضها، الأحزاب، والذين يدلون بأصواتهم إيماناً واقتناعاً .
التعليقات