زياد بن عبدالله الدريس
1

على واجهة مبنى بلدية الدائرة السادسة عشرة بباريس (احدى أرقى أحياء باريس)، تتدلى صورة جدارية كبيرة للأسير الإسرائيلي غلعاد شاليط. وقد ضمخت الجدارية بعبارة تحض على التعاطف مع الأسير / الآسر ، وتطالب بإطلاق سراحه.

ما كان يمكن لصورة جندي إسرائيلي أن تتبوأ هذا الموقع الفاخر على جدار هيئة حكومية فرنسية في عهد الفرنسي (المستقل) شيراك ومن قبله من رؤساء حتى الرئيس الفرنسي (الأب) ديغول. لكن لأن الهوية الفرنسية تتعرض لغزو واختلاط، ليس من شباب الضواحي فقط ... كما يتردد دوماً، بل حتى في تهديد هيبتها الكبرى: الرئاسة والحكومة، أصبحت فرنسا الآن أقل من أن تزعم أنها فرنسية مستقلة!

من المنطقي تعليق صورة الأسير الإسرائيلي على أحد مباني تل أبيب، ومن المتوقع رؤية ذلك في نيويورك، لكن من المشمئز فعل ذلك في باريس المدينة المنفردة، أو التي كانت دوماً متحررة بقرارها وموقفها من ضغوط التبعيات.

2

الحملة الصهيونية العالمية لإطلاق سراح غلعاد شاليط، تقدّم الأسير الإسرائيلي بصورة (البريء) الذي كأنه اختطف من بيت أهله، لا على حقيقته كجندي إسرائيلي مقاتل، تقدّم إلى صفوف المعركة، لا يحمل الورود والخبز للشعب الفلسطيني، بل يحمل السلاح في يده والعداء في قلبه ضد الفلسطينيين الذين أمامه، لكنه أُسر قبل أن يحقق هدفه الذي لأجله انخرط في الجيش الإسرائيلي. بل ربما قتل فلسطينياً أو اثنين قبل أن يؤسر... من يدري؟!

أين هذه المشاعر الفرنسية (الرقيقة) التي ظهرت فقط تجاه الأسير الإسرائيلي ولم تظهر تجاه ثمانية آلاف أسير فلسطيني في سجون الاحتلال؟ خصوصاً إذا استحضرنا مقارنة أن الأسير الإسرائيلي هو جندي في الجيش، بينما معظم الأسرى الفلسطينيين هم من عابري السبيل أو ممن قذفوا الحجارة لا الرصاص، وأنه إذا كان الأسير الإسرائيلي قد أمضى حتى الآن أربع سنوات في الأسر، فإن الأسرى الفلسطينيين ربما أمضى بعضهم عشرين أو ثلاثين سنة وأهلهم ينتظرونهم ويتألمون لغيابهم، لكن صورهم لم تعلق على مباني الحكومة الفرنسية!

3

من حق إسرائيل أن تتحيز وتبكي على أسيرها، لكن ما الذي يبرر ويفسر تحيز وبكاء فرنسا على أسير إسرائيلي؟!

هل بكت فرنسا وعلقت صور أسراها ورهائنها الفرنسيين الذين اختطفوا وربما قتلوا في العراق وأفغانستان ودول أفريقية؟

في هذا السياق من المناسب أن نسترجع ما قاله دومينيك دو فيلبان، رئيس الحكومة الفرنسية الأسبق، في خطابه الأسبوع قبل الماضي بمناسبة إطلاق حزبه السياسي الجديد (الجمهورية المتضامنة): laquo;إلى كل الذين أصيبوا في بلدنا بالإحباط، أدعوهم بأن يقتنعوا بأن شيئاً جديداً ولد في فرنسا وهو يكبر ويكبر مع الأيام... إنه الأمل... أدعو المقاومين الذين لا يلين لهم عزم، أدعو الرجال الأحرار، أدعو المؤمنين بالجمهورية، أدعوهم لوثبة من أجل إنقاذ فرنساraquo;.

الجميع أدرك المقصود بحديث دو فيلبان، المرشح القادم لانتخابات الرئاسة الفرنسية لعام 2012.

4

السؤال الموجع الآن:

ليس متى سيطلق سراح شاليط، بل متى سيطلق سراح فرنسا؟!