ناجي صادق شراب

تنطبق على العلاقات الأمريكية الإيرانية المقولة السياسية الشائعة، إن صديق اليوم قد يصبح عدو الغد، وعدو اليوم قد يصبح صديق الغد . ولعل معضلة العلاقات بين الدولتين، تأتي أولاً من أن إيران دولة إقليمية صاعدة وطامحة بدور معترف به في منطقة ذات مصالح استراتيجية عليا للولايات المتحدة، ومع دول تربطها علاقات تحالفية . وفي المقابل فإن الولايات المتحدة كدولة عظمى تتركز مصالحها الاستراتيجية النفطية وعلاقاتها التقليدية مع دول المنطقة التي تتخوف من نمو الدور الإيراني، وتتمثل في التحول في العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران من دولة كان يعترف لها بدورها الإقليمي زمن الحكم الشاهنشاهي والقيام بدور شرطي الخليج، والدور المتميز الذي كانت تقدمه إيران للولايات المتحدة زمن الحرب الباردة وسياسة احتواء الاتحاد السوفييتي سابقاً، والحيلولة دون وصوله إلى المياه الدافئة . أما الدور الذي تسعى إليه إيران منذ الثورة الإسلامية عام ،1979 فهو الخروج من دائرة التبعية الأمريكية، إلى دور الدولة الإقليمية المستقلة التي تسعى إلى تأكيد دورها ومصالحها المباشرة في نفس المنطقة التي توجد فيها الولايات المتحدة . ولذلك لا يمكن فهم طبيعة التحول في العلاقات إلا في سياق نموذج التحول في موازين القوى بين دولة إقليمية لا يمكن إنكار دورها ونفوذها، ودولة عظمى تسعى لئلا تنافسها في وجودها دولة أخرى تعارض هذا الوجود وهذه المصالح .

وبهذا المعنى تتلخص عقدة العلاقات بين الدولتين في مدى الاعتراف من قبل كل منهما بمصالحه ومناطق نفوذه، وهو ما يتطلب تغليب خيار الحوار والصفقة المباشرة، مع عدم استبعاد خيار المواجهة العسكرية إذا فشل خيار الحوار والصفقة الشاملة . ولتأكيد استقلالية الدور الإيراني وإحداث تحول كبير في إعادة توزيع الأدوار بين الدول الإقليمية المتنافسة والطامحة في المنطقة، كان تركيز إيران على تطوير قدراتها النووية، وهي القوة التي تضمن لها تأكيد وفرض دورها والاعتراف بمصالحها في المنطقة . بداية، لا بد من الإشارة إلى أن كل دولة إقليمية بارزة لها دائرة مركزية تؤكد فيها دورها، والمنطقة التي تسعى إيران إلى تأكيد دورها فيها هي منطقة الخليج، وهي منطقة النفط الرئيسة في المنطقة، ولإيران فيها طموحات كثيرة . ولعل التناقض والتضارب في المصالح بين إيران من جهة ودول المنطقة من ناحية ثانية، مع المصالح الأمريكية، هذا التناقض هو الذي يشكل المعضلة الحقيقية في العلاقات الأمريكية الإيرانية . وهو ما جعل موضوع القوة النووية الإيرانية الموضوع الرئيس الذي يحكم طبيعة الخيارات التي تحكم العلاقات بينهما، وعلى الرغم من أن الرئيس أوباما قد حدد منذ بداية إدارته الرغبة في إقامة عالم أكثر تعددية، وفي الحوار، وخصوصاً مع العالم الإسلامي، وبتفضيل الخيار الدبلوماسي، لكن يبقى دور المحافظين الجدد أحد العقبات والتحديات التي قد تحول دون حوار مع إيران، ما يعني أن يبقى الخيار العسكري قائماً وليس مستبعداً . صحيح أن أسس الحوار قد تكون غير كافية، إلا أنه في الوقت ذاته توجد حلقة من المصالح المشتركة بين الدولتين قد تدفع في النهاية للدخول والانغماس في خيار الحوار، وفي مقدمة ذلك الخوف من خيار الحرب من قبلهما، وإدراكهما أنه ليس من الصعب بدء أو اتخاذ قرار الحرب، لكن الصعوبة في وقف الحرب وتداعياتها التي قد تكون بعيدة المدى على إيران أكثر من غيرها .

يمكن إدراك أن إيران تسعى لاعتراف أمريكا بدورها ومصالحها في المنطقة، وبالمقابل الاعتراف بدور أمريكا الإقليمي، وأن أي تغيير في الخارطة السياسية للمنطقة لا بد أن يأخذ في اعتباره هذه المصالح . وتؤكد إيران دائماً استعدادها للحوار والتفاوض مع الولايات المتحدة والغرب، ليس فقط حول الملف النووي الإيراني، بل حول كل قضايا المنطقة بما فيها القضية الفلسطينية والسلام في المنطقة، وهذا يعني أن إيران تريد اعترافاً مباشراً بهذا الدور، وهذا التوجه يشجع على الاقتراب من خيار الصفقة الشاملة، كما ترغب طهران في الانضمام إلى اتفاقية التجارة العالمية، ودعم برنامجها النووي المدني، وبتحسن علاقاتها التجارية والاستثمارية مع الغرب . ولا شك أن العامل الاقتصادي يلعب دوراً مهماً في تفسير السلوك السياسي الإيراني، إلى جانب العامل القومي، والرغبة في إحياء الدور الإمبراطوري لإيران الذي لعبته في الماضي .

تدرك إيران أن خيار الحرب قد لا يحقق لها كل هذه الأهداف، وقد يعيدها إلى سنوات طويلة من التراجع والضعف . وأخيراً إن كل هذه المدركات السياسية المتبادلة بين الولايات المتحدة وإيران قد تخلق دائرة من المصالح المشتركة ربما تقربهما كثيراً من خيار الصفقة الشاملة .