القبس ـــ البصرة
قبل أكثر من اربعة عقود، وفي صباح شتوي بارد، وقف وزير الداخلية عند مشعوذ رث الثياب، كان يبيع الخرز الملونة والأحجار والمسابيح قرب باب مسجد المقام في البصرة، وحين سأله عن فوائد استخدامات الخرز التي يبيعها، راح الرجل يعدد: laquo;هذه للمحبة، وهذه للمرأة، وهذه للجاه، وهذه للحاكم وهذه تجلب الرزق..raquo;، لكن، وقبل أن يكمل، رمى به الوزير إلى النهر، مع خرزه ومسابيحه، قائلا: laquo;إذا كنت تحمل خرزا للرزق، فلماذا لم تحسّ.ن حالك أنت بها، لماذا لم ترزقك أنت؟!raquo;.
يستعيد سكان البصرة الحكاية وهم يقرأون اليافطات، التي تشير إلى طائفة من هؤلاء الذين يدعون أنهم laquo;أطباءraquo; ومتخصصون بالطب النبوي أو طب جعفر الصادق، ولديهم القدرة على شفاء المرضى الميؤوس منهم! هذه اليافطات باتت تحدد مرحلة من حياة العراقيين، وتدق ناقوس الخطر في المرحلة القادمة، لعل تأخير تشكيل الحكومة واحدة من دقاته.
ولا جديد في الموضوع، يقول يوسف عبد العباس (رجل دين): حين ييأس المريض من حالة معينة لدى الأطباء، يلجأ للتطبيب الشعبي، ومنه قراءة القرآن والرقية بالحديث الشريف، أو زيارة قبور الأولياء وغير ذلك، لكن المشكلة اليوم هي مع أشخاص مجهولين بالنسبة لنا كرجال دين،هم يدعون أنهم يعالجون بالقرآن لكن اغلبهم لا يقرأ أو يحفظ آية صحيحة منه، هم مشعوذون، والخرافة رافقت الجهل منذ أزمنة عدة.
الشرطة: انتشار واسع
وبحسب مدير الشرطة العام اللواء عادل دحام فإن ممارسة السحر والشعوذة تجري على نطاق واسع اليوم، ولها تأثيرات سلبية في وعي وسلوك المواطنين البسطاء، كما أنها ترسخ المفاهيم السيئة في المجتمع، وأن الأجهزة الأمنية باشرت بجمع معلومات عن أماكن وجودهم تمهيداً لإنذارهم وإلقاء القبض عليهم.
وأعلنت الشرطة أنها ستطلق حملة للملاحقة خلال الأيام المقبلة، متهمة إياهم laquo;بـالنصب والاحتيالraquo;، فيما أكد مسؤول محلي إن ظاهرة السحر تفاقمت في العامين الماضيين، وبعضهم يدعون أنهم رجال دين.
تؤثر في صحة الإنسان
ويقول نائب رئيس مجلس المحافظة أحمد السليطي، وهو رجل دين معروف : انهم يدعون معرفتهم بالقرآن لتمرير تصرفاتهم المخالفة للدين، إضافة إلى أن بعض المواد التي يستخدمونها هي مواد سامة تؤثر في صحة الإنسان ومنها عظام الحيوانات النافقة، مؤيدا ملاحقتهم ومعاقبتهم وفق القانون.
وعن هذه الظاهرة يقول الدكتور عبد الكريم الموزاني،الاستشاري في مركز بهجة الفؤاد للطب النفسي: laquo;يضعف الناس أمام المشاكل التي تواجههم، لذا فالأحجار الغريبة، ذات الألوان المميزة، والفاقعة، إلى جانب بعض الاعشاب والحيوانات، وغير ذلك، تكون بمنزلة الحل بالنسبة للبعض، فضلا عن ادعاء المشعوذين بأنهم يتقنون السحر، وتسخير الجن والشياطين في حل العقد الحياتية الكثيرة.
أصحاب المحال: طلب الأحجار يتزايد
ويشير أصحاب محال بيع الأحجار الى ان الطلب ازداد مؤخرا على شراء الخواتم والأحجار التي تحوي رموزا وطلاسم معينة، لاعتقاد البعض بتأثيرها على واقعهم الاجتماعي وطرد ما يسمونها بالأرواح الشريرة، مؤكدين أن بعض هؤلاء يدعي أنه يعرف بالمرآة العاكسة من سرق منه الذهب، وأين يخبئ اللصوص سيارته المسروقة وغير ذلك!
ويقول أبو زيدان البهادلي (صاحب محل لبيع الأحجار والتحف في سوق المغايز بالعشار): هناك أشخاص يمارسون ما يسمونه بالعلاج الروحاني، يستخدمون لتحضير علاجهم الأحرف المكتوبة باللغة السريانية، أو آيات من القرآن الكريم، تكتب وترتب وفق توقيتات زمنية محددة، لرقي المرضى الذين لم يفلح العلاج الطبي معهم.
التعويذة لم تعالج الإسهال!
ومهما تعددت وجهات النظر يقول حامد علي فيصل طبيب الباطنية والأطفال: قضية السحر والشعوذة قديمة في المجتمعات، لكنها تزداد في المجتمعات المتخلفة والتي تشهد أزمات، ومنذ سنوات الحصار في فترة التسعينات، وارتفاع أجور الطبيب، وشحة الأدوية لجأ السكان الى هؤلاء، أو الى مثلهم من رجال الدين، بل حتى القبور الوهمية صارت ملاذا للبعض في الشفاء والخلاص من المشاكل.
وفي المرويات الشعبية الكثير من القصص التي يتندر بها اليوم أصحاب الرأي، ويحدثنا البعض عن امرأة ظلت ابنتها تعاني من الإسهال شهورا طويلة، ولما يئست ذهبت الى أحد المشعوذين الذي كتب لها تعويذة، غلفها بقطعة قماش خضراء قال لها لتشدها ابنتك على بطنها، لكن البنت لم تشف من الإسهال أيضا، فاضطرت المرأة لفتح التعويذة لتعرف ماذا كتب بها الرجل، فأصابها الهول حين قرأت العبارة التالية: laquo;طبتي طبتي، ما طبتي طوب الطبج، شأسويلج، قابل آني ربجraquo;.
وبحسب فاطمة علي قيوم (ملاية) فإن بعضهم يقومون بأعمال شيطانية، مقابل مبالغ كبيرة من المال، مدعين أنهم يتصدون للأعمال الروحية الشريرة من خلال إجراء الرقية بالقرآن، وإبطال مفعول السحر بأنواعه، وفتح الربط وإخراج الجن، وهذا وهم كبير، لكن معظم الذين يلجأون الى السحرة هم من النساء اللواتي يواجهن مشاكل اجتماعية.
نصب على المساكين فبنى
بيتا في حي المهندسين!
ويقول أبو ضياء (سائق سيارة أجرة) إنه أجر بيته الواقع في حي قوى الأمن الداخلي لرجل laquo;متدينraquo; يسمى سيد صبيح، وكان فقيرا لا يملك قوت يومه، وبعد مرور أكثر من 3 سنوات ذهبت لزيارة بيتي ومعاينته فذهلت لما فيه: فقد طلي جدرانه باللون الأخضر ، وعلق على سطحه راية حمراء، وهناك ثقوب في الجدران، كنت زرعت في الحديقة أشجارا لكني وجدتها ميتة، ولما طلبت منه مغادرة البيت نصحني الجيران بعدم مضايقة laquo;السيدraquo;.
يضيف أبو ضياء: أنه بعد مشاكل ووساطات غادر laquo;السيدraquo; تاركا البيت في اسوأ حال، لكني وبعد 6 أشهر سمعت بأنه شيد بيتا جديدا في حي المهندسين، وأنه مجرد نصاب كبير، لكنه استغفل المساكين، وجنى كثيرا من المال الحرام، وهو بمأمن من ملاحقة أحد.
التعليقات