راجح الخوري

هكذا كان. فجأة وعلى غير توقع ضربت صاعقة الحس الانساني وجدان وليد جنبلاط، الذي يستعيد أدبيات الماضي القريب وشعاراته، فسارع الى تقديم مشاريعه المستعجلة وربما المرتجلة وغير المشبعة درسا، الى مجلس النواب، مطالبا باعطاء الفلسطينيين في لبنان حقوقهم المدنية والانسانية من حق العمل الى حق التملك.
لو جاءت هذه الاقتراحات من جهات أخرى لكانت استحقت الرجم والتخوين على خلفية ان هذه المطالبة بالحقوق الآن بالتحديد قد تشكل خطوة عملية تسهّل quot;مؤامرة التوطينquot; ولكن اقتراحات جنبلاط أثارت زوبعة من الجدال السياسي على خلفية سؤال ذاتي طرحه السياسيون على أنفسهم:
لماذا لا تضربنا صاعقة الحس الانساني ايضا؟ ولماذا نترك مسألة حقوق الفلسطينيين طبلا للشعبوية يقرعه وليد جنبلاط، في حين أن مقاربة هذا الموضوع سلبا أو ايجابا تشكل بابا لاستمطار هذه الشعبية؟!


❒❒❒

هكذا يغرق الوسط السياسي في لبنان منذ ثلاثة أسابيع في جدال ساخن حول هذه الحقوق، أين تبدأ وأين تنتهي؟ وماذا للفلسطينيين وماذا عليهم؟ وما هو دور لبنان في هذا الموضوع؟ وماذا يتوجب على الدول العربية وعلى المجتمع الدولي في هذه المسألة الدقيقة والمهمة!


❒❒❒

المواطن اللبناني العاقل والمنصف ينظر بكثير من التفهم الى موضوع الحقوق المدنية للفلسطينيين في لبنان. بل انه يرى ان روح الديموقراطية تفرض على لبنان اعطاء اللاجئين الفلسطينيين أكثر مما يحصلون عليه في أي من البلدان العربية الاخرى.
ولأن اثارة الموضوع جاءت على مفترق يتصل بمساعي التسوية الاميركية، فان من غير المستغرب ظهور بعض الحذر في أوساط سياسية مسيحية تملك تخوفا محقا من ان يساعد حق التملك مثلا في التوطين، وهو الامر الذي يرفضه اللبنانيون والفلسطينيون ايضا.
في المقابل طرحت تساؤلات في اوساط شيعية على خلفية محاولات مستهجنة هدفها الربط بين تأييد السنّة لحقوق الفلسطينيين والمراهنة الضمنية على ان يشكل السلاح الفلسطيني عامل توازن مع سلاح quot;حزب اللهquot; في أي مواجهة داخلية جديدة... وابتسم أنت في لبنان!


❒❒❒

طبعا مسألة الحقوق المدنية للاجئين الفلسطينيين في طريقها الى حل تتفق عليه كل القوى السياسية في لبنان. ويفترض ان يعطي اللاجئين حقوقهم الانسانية في مقابل التزامهم سيادة القانون والنظام وبشرط جازم أن لا تكون هذه الحقوق مدخلا الى التوطين.
وفي حين يغرق الوسط السياسي من غير شر في المقارعة حول هذه المسألة يغرق اللبنانيون في التصفيق مرتين:
مرة تأييدا لحصول اللاجئين الفلسطينيين على حقوقهم، ومرة ثانية أملا بأن يأتي دور اللبنانيين في الحصول على حقوقهم المدنية في وطنهم الذي صاروا فيه رعايا الاهمال والنسيان والفوضى والاستغلال والفلتان والسرقة والزعبرة والرشوة والقتل حتى بحبة الدواء، ومص دم الفقراء في مجاهل هذه الجمهورية البائسة من أقصى الجنوب الى أقصى الشمال.


❒❒❒

وعندما يقرأ المواطن اللبناني كلام الرئيس نبيه بري الذي يقول: quot;الحقوق المدنية الفلسطينية ليست مادة للعب ولا ينبغي ان ندخلها في التجاذبات السياسية الداخلية وعلى مجلس النواب مجتمعا أن يتحمل المسؤوليةquot;.
عندما يسمع المواطن اللبناني سواء كان في مجاهل الارياف المنسية والمحرومة او في قلب العاصمة بيروت، التي تختنق من الفوضى والفلتان وامتهان حرمة الدولة والقانون... نعم عندما يسمع اللبناني هذا الكلام، من حقه أن يسأل هذه الدولة من بابها الى محرابها:
وماذا عن الحقوق الانسانية للبنانيين؟ اذكرونا في نعمتكم!