الياس حرفوش


تتجاوز الانتقادات الأخيرة التي أطلقها السيد حسن نصرالله لسلوك اجهزة امنية في الدولة حيال مسألة التجسس على شبكة الاتصالات الخليوية وإشادته بأجهزة امنية اخرى، ما هو معروف في مجال العمل السياسي الديموقراطي من حق المعارضة في انتقاد السلطة وعملها. هذا التجاوز له وجهان يحتاجان الى التوقف عندهما: الاول ان مصدر الانتقاد ليس طرفاً معارضاً بالمعنى الدقيق للكلمة، كونه ممثَلاً في السلطة السياسية وشريكاً في قراراتها من خلال مشاركته في الحكومة، وبالتالي يستطيع توجيه انتقاده من داخل المؤسسات، والثاني، وهو الأهم، ان هذا الطرف laquo;المعارضraquo; يمنح مواقفه laquo;قدسيةraquo; تجعل هذه المواقف غير خاضعة للنقاش او للرد السياسي، طالما ان صاحبها منزّه عن الخطأ، باعتبار أن موقفه موقف laquo;إرشاديraquo; (نسبة الى المرشد) لا يقاربه الضلال من اي جانب!

بنتيجة هذا التصنيف يصبح عمل جهاز امني عملاً laquo;حلالاًraquo; لا يحتمل النقد لأي سبب، طالما انه حظي بـ laquo;علامة جيدةraquo; من laquo;حزب اللهraquo; في مجال السلوك الوطني السليم، بينما يصبح طبيعياً أن تتحول سهام الاتهام بتهمة نقص الوطنية الى جهاز آخر، ويصير عليه تالياً أن يزاحم الجهاز الاول على الحصول على laquo;العلامة الجيدةraquo; ذاتها.

بهذا المعنى ايضاً تصبح انتقادات الامين العام لـ laquo;حزب اللهraquo; والاتهامات التي وجهها الى المحكمة الدولية الناظرة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري بأنها laquo;مشروع اسرائيليraquo; من نوع المسلّمات، التي يدخل الرد عليها ومخالفتها في باب الكفر. نحن هنا اذاً امام ظاهرة تلغي السياسة وما تبيحه من اختلاف طبيعي في الآراء. ذلك ان laquo;حزب اللهraquo; يعتبر موقفه من اية قضية سياسية صحيحاً شرعاً لا يقبل البطلان، وأي موقف معارض له باطلاً شرعاً لا يجوز الدفاع عنه. ولا يمكن فهم تصنيفات الحزب وتعبيراته عن مختلف القضايا الاساسية التي واجهت وتواجه البلد الا في هذا الاطار. هكذا يصير ما أفضت اليه المواجهة مع اسرائيل اثر عدوانها على لبنان صيف 2006 laquo;نصراً الهياًraquo;، ويصير مناصرو الحزب هم laquo;اشرف الناسraquo;. وبديهي ان ادخال تعابير وصفات كهذه الى القاموس السياسي يجعلها حكماً منزّهة عن اي مراجعة او انتقاد، طالما انها متصّلة بقدرة العزة الالهية.

يترافق كل هذا مع قدرة عسكرية يملكها laquo;حزب اللهraquo; على حسم اي امر من الامور لمصلحته، اذا اعتبرها خارجة على السياق الوطني، بحسب تعريفه. وليس عابراً هنا تذكير الامين العام للحزب بما حصل في 7 ايار 2008 الذي كان درساً مهماً، تعلّم منه البعض، في الطريقة التي يستطيع بها الحزب أن يرد على ما يعتبره مضراً بمشروعه، طالما ان هذا المشروع في نظره مشروع وطني، يجب ان يحظى بالإجماع الوطني، شاء المواطنون ام أبوا.

لا نذكر في تاريخ العمل السياسي في لبنان ربطاً كهذا بين laquo;قدسيةraquo; موقف جهة ما وتشريع ممارستها السياسية، كما هو حاصل في تجربة عمل laquo;حزب اللهraquo; ومواقفه من مؤسسات الدولة. صحيح ان هناك قوى ومواقع دينية في لبنان، اسلامية ومسيحية، تتعاطى العمل السياسي وتتخذ مواقف من هذه القضية او تلك. لكن اياً من هذه المراجع لم يسلك سبيل التحليل والتحريم في العمل الوطني، تبعاً لما يراه هو انه النهج والموقف السليم حيال مختلف الامور. لم يحصل ذلك بالنسبة الى اتباع هذه المراجع من دياناتهم ومذاهبهم نفسها، فما بالك بالآخرين. اما مع laquo;حزب اللهraquo; فالأمر مختلف.