جاسر عبد الله الحربش

جلست امرأة فائقة الجمال صغيرة العقل في حفل عام إلى جانب الفيلسوف الإرلندي جورج بيرنارد شو (وكان دميم الخلقة)، واقترحت عليه الزواج بها لكي يجمع نسلهما بين جمالها وذكائه. شكرها الفيلسوف قائلاًً: اسمحي لي يا سيدتي أن أرفض لأنني أخشى أن يجمع نسلنا بين قبح مظهري وتواضع عقلك، لكنني ربما أقبل الزواج من تلك المرأة الذكية الجالسة هناك لأضمن لأولادنا العقل على الأقل.

لكن ليس كل الرجال على شاكلة برنارد شو، فالرجل عموماً يفضلها غبية لأن ذلك إرثه التاريخي الموغل في القدم.. يفضل الرجل المرأة الجميلة الغبية على الجميلة الذكية، ثم الغبية متوسطة الجمال على متوسطة الجمال الذكية. حتى المرأة ذات الحظ المتواضع من الجمال والذكاء معاً قد تجد مدخلاً إلى الحياة الاجتماعية المستقرة كيدٍ عاملة مجانية وآلة تفريخ، أما المرأة التي نصيبها يكون في مجال الذكاء فقط فلا مكان يتسع لعقلها إلا في المجتمعات الذكية. لا يقصم ظهر الرجل في المجتمعات التقليدية مثل المرأة المتفوقة عليه في الذكاء والعقل. إن حصل وتورط فاقترن بمثلها دون سابق معرفة بمواصفاتها (وهذا يحدث كثيراً) فإن الطلاق آت لا ريب فيه. أما أن يقترن الرجل الدميم بامرأة فائقة الجمال لكنها صغيرة العقل فذلك عز الطلب، وحينئذ لن يقنع الرجل بفك عرى هذا الزواج سوى الخلع أو الموت أو أن يكون بالصدفة ذا مروءة حقيقية يتفهم معنى إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.

هذه الخصوصية التاريخية للعلاقة بين الرجل والمرأة أثمرت شيئاً عجيباً وغير متوقع، أثمرت عداوة الأنثى للأنثى، أي عداوة المرأة الجسد للمرأة العقل في صراعهما القديم والمستمر للوصول إلى قلب الرجل وبشروطه الذكورية. هنا تتشابه الحضارات كلها في الاحتيال على المرأة وإغرائها لتقديم نفسها كسلعة، وكلما كان اهتمامها بجسدها أكبر صار ثمنها في السوق أغلى، لكن بشرط أن تتنازل عن حقوقها في العقل والتفكير وملكية المال العام للرجل.

إحساس الأنثى الغريزي بأهمية الجمال في الحياة جعلها تتنازل عن جوهرها الإنساني وهو العقل. العقل يدل الإنسان إلى التفكير والمطالبة بنصيبه في الكرامة والعدالة بينما الجسد مجرد وعاء ناقل لهذا الجوهر. تتجسد مصيبة المرأة الحقيقية مع جمالها عندما يذبل هذا الجمال وتبدأ الحاجة إلى الحقوق وتقاسم المشترك مع الرجل الذي ولو أنه يذبل أيضاً بالتقادم لكنه يتمدد وينتفخ بالاستحواذ بحيث يملأ صدارة المكان والزمان ويحشر أم العيال في إحدى زوايا الحياة الحرجة. هذا المصير البائس شاركت المرأة نفسها في بنائه حين استبدلت بضاعة الجمال ببضاعة العقل على حساب الأنثى الأخرى في مواجهة الحياة مع الرجل فخسرت المرأتان وبقي الرجل هو الرابح الأكبر. هل هناك بوادر تشير إلى بداية انتصار للمرأة العقل على المرأة الجسد في الحياة العامة عندنا؟.. أظن وأتمنى ذلك.