جبرين الجبرين

المطالب المتكررة بضرورة الحجر على بعض العلماء الذين لهم رأي في مسائل فقهية تثير الكثير من التساؤلات حول مشروعيتها ومدى مناسبتها لحسم الخلاف بين العلماء، خصوصا وأنها وصلت إلى درجة التعريض بشخصياتهم والمطالبة من قبل البعض بسجنهم وجلدهم الذي كان سيحدث ـ حسب قول بعضهم ـ على يد الشيخ ابن باز أو الشيخ ابن عثيمين لو كانا لا يزالان على قيد الحياة.
وكنا نتمنى لو تم الرد عليهم بالحجة والدليل والبرهان ليتضح أين الصواب وأين نقاط الاختلاف، بدلا من اللجوء إلى محاولة إسكاتهم وتهميشهم والتقليل من قدرهم وتوجيههم إلى البيع في سوق الخضار أو وصفهم بالمرض النفسي أو الطلب منهم البقاء في المسجد لقراءة القرآن فقط، لأن جميع هذه الأساليب لا تتجه إلى جوهر الخلاف ولا تجيب على التساؤلات التي تمت إثارتها حول القضايا الخلافية.
هذا الأسلوب في التعامل مع المخالفين يثبت لنا أننا لم ندخل مرحلة الحوار، رغم وهمنا بأننا قطعنا فيه شوطا كبيرا ورغم زعمنا أننا نجيد التحاور بالتي هي أحسن، ويثبت أن كل ما نردده أن الاختلاف لا يفسد للود قضية، ما هو إلا مجرد شعارات مقنعة تسقط عند أول اختبار. وعلاوة على ذلك فإن التعامل مع المخالفين بهذا الشكل يوحي أن هناك محاولة لاحتكار الفتوى وقصرها على أشخاص معينين حتى لو كان غيرهم مؤهلا لذلك، وهذا يقود إلى حمل الناس على رأي فقهي واحد لا نشك أنه يملك من الأدلة ما يكفي لإقناع الكثير من الناس بصحته وسلامته، ولكن هذه القناعة لن تتحقق بالأسلوب الذي تم العمل به في هذه القضية.
نحن في حاجة ماسة إلى سماع جميع الآراء بعيدا عن الأسماء والأشخاص، نريد حوارا حول القضية الاجتهادية ولا نريد حديثا عن شخصية المجتهد، نريد ردودا مشفوعة بالأدلة القطعية من الكتاب والسنة تثبت صحة الرأي الذي يراد إلزامنا به، أو تفنيدا لوجهة النظر المخالفة بقطع النظر عن صاحبها، نريد مناظرات بين المجتهدين تقوم على حسن النوايا وأنه لا أحد يملك الحقيقة المطلقة بدون نقاش.
ونريد علماءنا أن يدركوا أن ردة الفعل الصادرة من قبلهم تجاه المخالفين لهم في الرأي سلاح ذو حدين فقد يكون في صالحهم وربما يكون عكس ذلك، فضلا عن اعتبار ردة الفعل الصادرة من قبلهم معيارا لسماحة الاختلاف نحتاجه كثيرا في هذا العصر.
نؤكد لعلمائنا أننا لن نهتم بمجرد ظهور رأي مخالف لكن سوف نهتم كثيرا بردة الفعل الصادرة من قبلهم على هؤلاء المخالفين، كما نؤكد لهم أنها لن تهتز صورتهم في أذهاننا إذا خرج علينا من له وجهة نظر تختلف عن ما تعلمناه في مراحل التعليم، ولكن سوف نكون في أقصى درجات عدم الارتياح إذا توجهت ردودهم إلى التحقير والتقليل من شأن من يختلف معهم.
والأهم من هذا كله، لا نريد أن نكون ضحية الصراع الخفي أو quot;صراع العلماءquot; الذي برز بشكل جلي في الفترة الأخيرة وذلك من خلال إثارة قضايا كانت من محرمات الأمس، وهو مؤشر واضح لحراك طبيعي تفرضه طبيعة المجتمعات التي تتجه بطبيعتها البشرية نحو التغير التلقائي وعدم الثبات.
الصراع أو الجدل قضية حتمية تفرضها ظروف المجتمع السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وأهل العلم الشرعي جزء من المجتمع ربما يجدون أنفسهم في صراع من أجل الاستئثار بالفتوى وغيرها من مصادر القوة وتوجيه المجتمع.