يوسف المحيميد

في تصريح لوكيل وزارة التربية والتعليم للشؤون التعليمية أكد أن النظام المتكامل لمتابعة المعلمين الذي تقوم به إدارات المدارس والأجهزة الإشرافية لا يقتصر على الأداء، بل يشمل أيضاً الفكر والتوجه لدى هؤلاء المعلمين، وهذا أمر حسن لكشف حالات التطرّف والغلو لدى بعض المعلمين، واستغلال مواقعهم في ترويج أفكار الإرهاب بشكل غير مباشر.

لكن يبقى الأمر مرتبطاً بما تحمله إدارات المدارس نفسها من فكر، فلو كان فكراً متطرفاً فإن التقارير التي ستصدر عنها ستتغاضى عن سلوكيات ذوي الأفكار الشبيهة، وستقوم بالتستر عليهم، ولن تشير إلى دورهم في تضليل أفكار التلاميذ والتغرير بهم، وسيصبح الأمر بحاجة إلى فهم ومعرفة أفكار مديري المدارس وتوجهاتهم بشكل منتظم.

أحياناً حتى لو كان المدير معتدلاً في أفكاره وتدينه، فإن تعرّضه إلى ضغوط من قبل مجموعات معلمين في المدرسة تحمل الفكر المتشدد هو أمر وارد، وما لم يكن بشخصية مستقلة وقوية فإنه قد يذعن إلى ضغوطهم، خاصة إذا كان هؤلاء لهم نفوذ في بعض إدارات الوزارة.

لذلك فإن هذا الدور المهم جداً الذي يمنح للمدير، الذي يجعله أميناً على بث الاعتدال في فكر جيل المستقبل، يتطلب مراجعة معايير اختيار المدراء في المدارس، بل إعادة تقييم فكر هؤلاء الحاليين، من قبل أجهزة إشرافية محايدة في الوزارة.

أحياناً أفكر لو قام أحد المعلمين المعتدلين في فكرهم، بتدوين يومياته المدرسية على مدى أكثر من سنة، ودوّن جميع ما يحدث في حرم المدرسة من أنشطة غير صفّية، وتحزّب بعض المعلمين لبعضهم، وشهادات التلاميذ حول ما يحدث في حصص بعض المعلمين، والأفكار المتداولة حول البراءة والولاء، وحول الجهاد، وتوجيه اهتمامات التلاميذ إلى ما يحدث في العراق وأفغانستان وغيرها، وتناول الشأن المحلي بطرق تحريضية غير مباشرة.

ما زلت أتذكّر ابني في الصف الأول الثانوي، حين سأله مدرّس الكيمياء عن الحي الذي نسكن فيه، ثم أشار له باسم شخص يشرف على جماعة تحفيظ القرآن في الحي، واقترح بأن يلتحق معه، كي يكافئه بتعديل درجته الضعيفة في مادة الكيمياء، وسؤالي وقتها ما علاقة هذا بذاك؟ ورغم رغبة أي واحد منا بأن يحفظ ابنه من كتاب الله ما استطاع، إلا أن الشك يجعلنا نحذر، ونتأمل هذه العلاقات المتشابكة والغامضة، ويضع كل منا قلبه وجلاً وخوفاً على ابنه البريء.

كم من أمٍّ، وكم من أب، فجع بفقدان ابنه ورحيله إلى خارج الحدود، والتحاقه بجماعات إرهابية، بسبب غفلة عابرة ومؤقتة عمن يختلط بهم هذا الابن، سواء في الحي أو في المدرسة، وهناك من يتنبه ويتوقف عن المضي في هذا الطريق المخيف، وهناك من لا يستطيع العودة بسبب الجرعات المكثّفة من التطرف الديني.

أعتقد أن تلك خطوة مهمة وجذرية في محاصرة التطرف، لكنها حتماً لا تكفي، فالجامعات لدينا متكدّسة من هؤلاء، سواء بين أعضاء هيئات التدريس، أو بين الطلاب الذين جلبوا معهم تطرفهم المبكّر في المتوسطة والثانوية، ولعل النظام الجامعي المفتوح، خلافاً لمراحل التعليم الأساسية، يمنحهم فرصة أكبر في تجنيد عدد من الطلاب الجاهزين للانخراط في هذه الجماعات المتطرفة، أو حتى المتعاطفة مع الفكر المتطرف.. فكيف يتم تحرير هؤلاء من سيطرة التشدد والتطرف، وإعادتهم إلى الحياة من جديد؟!