محمد صالح المسفر
(1) قرأت ما كتب الأستاذ محمد الرنتيسي في 'الدستور' الأردنية في 25/7 عن حال مدينة الخليل وما يُفعل بها وبأهلها من قبل قطعان وفروخ المستوطنات الصهيونية في الضفة الغربية ومدينة القدس، إنها عملية تهويد نشطة، تهجير السكان الفلسطينيين الذين عاش أجدادهم وتتابعت الأجيال الفلسطينية في هذه المدينة من عصراليبوسيين والكنعانيين إلى يومنا هذا، وتدمير مقومات الهوية، وتغيير المعالم التاريخية.
في ذات الوقت تتعرض مدينة القدس هي الأخرى لأوسع عملية تهويد منذ احتلالها عام 67 م إلى جانب التوسع الاستيطاني ومصادرة الأرض ذات الملكية الخاصة في الضفة الغربية، إلى جانب هدم البيوت وتجريف الأرض وتغيير معالم التاريخ في الأرض المقدسة فلسطين، والطرد التعسفي للمواطنين وملاحقتهم في كل مكان، والاعتقالات ومداهمة المنازل الآمنة ليلا ونهارا في كل مدن الضفة الغربية بما فيها القدس، والسلطة في رام الله لا تجرؤ على ردع مستوطن إسرائيلي معتد رغم استلامها مدرعات عسكرية وأسلحة تستخدم في حرب الشوارع فقط.
في ظل هذه الأجواء الرهيبة التي يتعرض المواطن الفلسطيني خلالها لأبشع أنواع الإهانة والإذلال في المدن وعلى المعابر تتسابق قيادات رام الله لاسترضاء الإسرائيليين والأمريكيين بالتنازل عن كل اشتراطاتها السابقة في شأن المفاوضات. كانت مفاوضات مباشرة من عام 1993 واتفاقيات علنية وسرية جرت بين سلطة حركة فتح والإسرائيليين، وسقط عرفات زعيم حركة فتح مسموما وستكشف الأيام من هم الغادرون بعرفات، والمفاوضات بقيت مستمرة سرا وعلانية جماعية أو فردية، تارة يقولون مفاوضات غير مباشرة وتارة أخرى يقولون بالانتقال إلى مفاوضات مباشرة، ولا فرق بين الحالتين. إسرائيل تلتهم الأرض ونحن من القاهرة إلى عمان إلى واشنطن إلى تل أبيب نبحث عن بدء المفاوضات المباشرة.
لتبرير الارتماء مرة أخرى إلى غرفة المفاوضات المباشرة هذه الأيام يقولون إن المجموعة الاوروبية وأمريكا تمارسان ضغوطا على السلطة للقبول بالمفاوضات المباشرة وأنهما أبديتا حسن النوايا للسلطة، كانت أولى خطوات ذلك التحسن رفع مستوى تمثيل منظمة التحرير في كل من واشنطن وباريس إلى درجة سيادية، وان عباس استلم ضمانات من الرئيس الأمريكي اوباما لكن هذه الضمانات يلفها الغموض كما قال، وانه طلب تفسيرات لتلك الضمانات، ونريد أن نذكر السيد عباس أن الرئيس الأمريكي روزفلت أعطى الملك عبد العزيز آل سعود عام 1945 ضمانات بعدم اتخاذ أي خطوة معادية للعرب في فلسطين (التويجري، ص 587) كما نذكر عباس بان سلطته من 1993 إلى هذا الأسبوع استلمت العديد من الضمانات والوعود الأمريكية ولكن لم تفعّل ولا ضمانة واحدة. اذكره بضمانات حماية الفلسطينيين المقيمين في لبنان عندما فرض على منظمة التحرير الرحيل عن لبنان عام 1982، ماذا حل بالفلسطينيين العزل في مخيمي صبرا وشاتيلا في ضواحي بيروت؟ واسألوا الرئيس أمين الجميل كم عدد الضمانات التي قدمت لحماية سلطانه ولبنان من الإسرائيليين وغيرهم عندما كان رئيسا لجمهورية لبنان!
( 2 )
كلنا نعلم أن الإدارة الأمريكية تمارس ضغوطا على الفلسطينيين والعرب، لانها في موسم انتخابات تكميلية للكونغرس والكل ينشد ود الناخب اليهودي وجماعات الضغط وميدان تلك الجهود الساحة الفلسطينية. الفلسطينيون يستطيعون قلب الطاولة بالإصرار على شروطهم وهي الانسحاب إلى حدود الخامس من حزيران/يونيو عام 1967 وتصعيد المطالب الفلسطينية وإلا فلا بد من العودة إلى ما كنا عليه قبل توقيع اتفاق أوسلو المشؤوم. إن التخاذل وحب الذات عند بعض القيادات الفلسطينية شجعا الإسرائيليين على تصعيد وتيرة عملية الاستيطان والنيل من القدس والخليل وإكمال بناء الجدار العنصري الذي لا احد يتحدث عنه في رام الله سوى يوم الجمعة من كل أسبوع. إن على القيادات العربية الفاعلة في الساحة الدولية إشعار المجموعة الاوروبية والإدارة الأمريكية بان مصالحهما مع العرب اقوى من مصالحهما مع إسرائيل. لقد تنبأ عدد من أعضاء إدارة الرئيس الأمريكي هاري ترومان بان يكون من شأن خلق دولة يهودية في الشرق الأوسط، أن يفجر عنفا عربيا ضد اليهود والأمريكيين، ونصحوا ترومان بالنأي عن إسرائيل. كما أن الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله نبه رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل في الأربعينيات من القرن الماضي بقوله: 'إن تأييد المطامع الصهيونية في فلسطين من جانب أي جهة سوف يؤدي إلى إراقة الدماء، وسوف ينشر الفوضى في العالم وفي منطقة الشرق الأوسط، وهذا لن يكون في صالح العالم (التويجري، ص 591)، ألم تتحقق تلك النبوءات في حاضرنا المعاصر؟
آخر القول: لا تصدقوا أي ضمانات موسمية تعطى لكم أيها العرب من اي طرف كان في الشأن الفلسطيني. إنكم تملكون القوة والقدرة على تحقيق أهدافكم الوطنية وتحرير فلسطين.
التعليقات