راجح الخوري

هل هي ديبلوماسية الحماقة أم انها سياسة بخّ السموم، وإن حاولت الاختباء وراء أقنعة الحرص المزعوم على المصالح السورية والعربية عموماً؟
أياً تكن، ثمة ما يذكّرنا هنا بقول بيار سالنجر المستشار الصحافي للرئيس جون كينيدي: quot;عندما أنظر الى مداخن البيت الابيض أرى فبركة كبيرة للأوهام والاخطاءquot;!
وهكذا عندما قرأ الناس أمس تصريحات الناطق باسم وزارة الخارجية الاميركية فيليب كراولي، حسبوا أنها تأتي من إحدى جمهوريات الموز لا من دولة في حجم أميركا، لأنها تضمنت ما يشبه الحماقة المسيئة أولاً الى سوريا والرئيس بشار الاسد وثانياً الى السعودية والملك عبدالله.
لكن الذين صاغوا هذه التصريحات في الخارجية الأميركية يريدون حتماً التشويش أو بالاحرى تخريب المحادثات التي يجريها خادم الحرمين الشريفين في محطات جولته العربية وخصوصاً محادثاته المحورية مع الرئيس بشار الاسد.
عندما تدعو الخارجية الاميركية quot;الرئيس بشار الاسد والقادة السوريين الى الاصغاء جيداً الى ما سيبلغهم إياه الملك عبداللهquot;، فإن ذلك يمكن أن يوحي للبعض على الاقل في هذه المنطقة، إما ان واشنطن على بيّنة مما سيقوله الملك في دمشق وهذا أمر غير صحيح على الاطلاق، وإما ان الملك يسوّق وجهة النظر الأميركية في دمشق وهذا أمر ليس من شيم خادم الحرمين الشريفين. ولا يجوز ان تصل quot;المراهقةquot; الديبلوماسية في واشنطن الى هذا الحد من محاولات التشويش على القمة المفصلية بين عبدالله والاسد.

❒❒❒

وليس سراً أن الكثيرين في العالم العربي يراهنون على هذه القمة الايجابية المفيدة والمهمة بالنسبة الى كل الملفات الساخنة في المنطقة، من المآل الذي تتجه اليه عملية التسوية والمبادرة العربية للسلام، الى الاحتقان المتزايد في لبنان انطلاقا من إثارة موضوع القرار الظني، مروراً بالأوضاع على الساحة الفلسطينية وفي العراق والسودان واليمن، وكذلك في ما يتصل بترتيب التضامن العربي، والتنسيق لاتخاذ موقف من شأنه تجاوز اي تداعيات قد تحصل بسبب النوويات الايرانية والجرعة الجديدة من العقوبات على طهران!
واذا كان المتحدث باسم الخارجية الاميركية قد كرر دعوة دمشق الى الابتعاد عن طهران قائلاً ان واشنطن تتواصل مع دمشق لهذا الغرض. وهذا كلام سخيف رد عليه الاسد سابقاً، عندما قال ان من يريد الاقتراب منا عليه قبولنا كما نحن، رافضاً الاشتراطات الاميركية، فإن ربط هذه الدعوة المتكررة الآن بـquot;ضرورةquot; الاستماع الى الملك، إنما ينطوي على محاولة تافهة ومكشوفة للايحاء بأن الملك عبدالله سيركز ايضاً على الدعوة الى الابتعاد عن ايران، وهذا ليس وارداً في قاموس أو قواعد العلاقة المتجذرة مع الرئيس السوري، ولا في جوهر سياسة عبدالله التي ترتكز على التضامن وتدعيم العلاقات العربية وحلّ كل الملفات التي تواجه الامة.
واذا كان كراولي قد أعلن أن هيلاري كلينتون بحثت هاتفياً مع الأمير سعود الفيصل في الجهود التي تقوم بها المملكة من أجل تعزيز quot;مبادرة السلام العربيةquot;، مشيداً بدور الملك عبدالله في السعي الى تحقيق السلام العادل، على أساس مبادئ المبادرة المذكورة، فإن الأجدى والانفع هو أن تتحمل الادارة الاميركية مسؤولياتها السياسية والاخلاقية والقانونية الدولية، في دفع حكومة التطرف والعدوان الاسرائيلية، الى استجابة شروط التسوية العادلة، وخصوصاً بعد الوعود الزهرية التي سبق ان قطعها الرئيس باراك أوباما ثم انهارت بسرعة.


❒❒❒

كان في وسع أميركا الثناء على جولة الملك عبدالله، وهي تأتي الآن على تخوم مجموعة من القضايا والملفات العربية الساخنة، التي تستدعي بالفعل عقد قمة طارئة، وهو ما يجعل جولته بمثابة قمة متتابعة، ولكن ربط محادثاته في دمشق بالتمنيات الأميركية شكّل إساءة ضمنية تصيب الأداء الديبلوماسي الأميركي، قبل أن تصيب السعودية أو دمشق!
في النهاية لا يحتاج الأسد الى quot;نصائحquot; الخارجية الأميركية، ولا يقبل عبدالله حماقة كراولي ومن وراءه، وإذا كانت واشنطن مهتمة فعلاً بالتوصل الى تسوية تنهي أزمة الشرق الاوسط، فليس عليها اكثر من أن تستمع هي جيداً الى ما يقوله عبدالله والأسد، لتقوم بليّ ذراع المخربين في تل ابيب ودفعهم الى قبول شروط quot;المبادرة العربية للسلامquot; القائمة على قرارات الشرعية الدولية.
وإذا كانت الرياح الايرانية تقلق واشنطن الى هذا الحد، فليس هناك ما يقفل النوافذ دونها سوى التسوية العادلة والشاملة في الشرق الأوسط. وواضح أنه من خلال قضية فلسطين والاحتلال الاسرائيلي المتوسّع وجدت طهران مداخلها الى المنطقة!