إبراهيم أحمد
الصراع الجاري اليوم على رئاسة الحكومة، وقاعدة الحكومة، ومشروع الحكومة، هو صراع طائفي وقومي مهما أخذ من المصطلحات والأسماء والكلمات المقلوبة والملتوية، أو المهذبة جداً، وهو صراع رغم طوله وبؤسه وخطورته، أفضل بما لا يقاس من ذلك الصراع الدموي الذي دار في الشوارع قبل عامين وصار فيه القتل على الهوية والأسماء وعناوين البيوت. هذه الصيغة المريرة، وهذا المستوى من الصراع هو كل ما استطاعت المجموعات السياسية الارتفاع فيه بصراعاتها إلى ما فوق الدم والجثث، وهو لا يزال في تذبذب تحت تدخلات الأغراب والأعراب.
ولكي نصل إلى فهم واضح مفيد لما يحدث في بغداد تحديداً لا بد من قول الأشياء بأسمائها، حيث لا يوصل إلى الطريق الصحيح سوى الرؤية الحقيقية للأشياء. الكتلة العراقية هي الإطار العام للسنة، رغم رفض قياداتها لهذه التسمية،. وقائمة دولة القانون، والائتلاف الوطني، هما الإطار العام للشيعة، رغم محاولتهما الظهور بغير ذلك ببعض الديكور والمكياج السني.
والقادة الأكراد رغم خلافاتهم وتباين كياناتهم فهم موحدون في مطالبهم القومية، واليوم يومهم للحصول على أكبر المكاسب والتنازلات من بغداد المفككة الضعيفة المتنازعة في ما بينها، وبالنسبة لهم الأفضل أن لا تكون بغداد قوية منيعةً.
التأخر في حسم هذا الصراع وعدم تشكيل الحكومة أكبر دليل على أن الاحتلال الأميركي يلفظ أنفاسه الأخيرة. ففي أيام سطوته الأولى جمع بول بريمر، وهو بدرجة سفير، قادة العراق الحاليين في مجلس واحد وجلس على العرش رئيساً لهم، وويل لمن لا ينفذ له أمراً. واليوم نائب الرئيس الأميركي يأتي مع زوجته، ويرد على أعقابه ملوماً محسورا.
والتأخر في حسم هذا الصراع وعدم تشكيل الحكومة أكبر دليل على تنامي النفوذ الإيراني في العراق، فإيران تريد شيئاً يروج له، ويجاهد من أجله حلفاؤها من العراقيين. والوطنيون من القادة العراقيين شيعة وسنة، يريدون شيئاً آخر.
إيران تتجاوز مصالح الجيرة، فكل الدول في العالم لها جيران، وتحرص على أن يكون لها تأثير ومصالح مع جيرانها، ولكن لم يحدث أن تدخل جار باسم الجيرة في شؤون جيرانه مثلما تتدخل إيران في شؤون العراق، وإذا رأينا الصورة كاملة عبر التاريخ والحاضر الماثل نجد أن إيران لا ترتضي بأقل من عراق لعبة بيديها، تصفي معه حساباتها النفسية والمادية المتخلفة عن الحرب الطويلة معه، وتجعله طريقاً إلى ما لا يحصى من المصالح والأهداف في المنطقة كلها، لذا فهي تدخل هذا الصراع الطائفي بحجة حماية الشيعة، حيث توهمهم بأن العمق العربي ليس لهم، وإنما ضدهم، وهو يحمي السنة فقط، وكأن الشيعة ليسوا عرباً!
قادة متنفذون في الجانب الشيعي اقتنعوا بالطرح الإيراني ودخلوا مع الإيرانيين في تحالف وتواطؤ وتنسيق، لأنهم لا يستطيعون الوصول إلى الحكم إلا محمولين على شعارات الطائفية، والتمويل الخارجي، إذ ليس لديهم مشروع وطني أو جذور شعبية حقيقية.
حاول المالكي الخروج على هذا المفهوم حين تصدى بجرأة للميليشيات، وامتثل لروح وطنية وساهم في توطيد الأمن ودرء الحرب الأهلية، لكنه لا يستطيع اليوم أن يمضي بذات الطريق ويتحالف مع العراقية، فقد اصطدم بكرسيه نفسه، حاول تغيير استحقاقه الانتخابي فلم يفلح، فلجأ إلى التمترس خلف السلطة.
قادة السنة جاؤوا إلى الميدان السياسي على استحياء وبعد تردد وتلكؤ، لذلك لم يجدوا من الكعكة سوى فتاتها، كان الدستور الذي لا يخلو من غباء وحماقة قد كتب بغيابهم، ومعظمهم كان جديداً على السياسة ولا يعرف من فن القيادة أكثر من قيادة سيارته، لذلك ظلوا يتخبطون في مواقفهم ومشاريعهم في واقع كثير القسوة تعيشه طائفتهم، فهي قد وجدت نفسها مخلوعة من سلطة وهمية أو حقيقية، وقعت بين نار إرهابيي القاعدة وبقايا البعثيين، من جهة ونار سلطة جديدة تتهمهما بأنها حاضنة للإرهاب، فكان أن صارت حاضنة له على مضض، ثم طاردة له عبر الصحوات، ثم صار عليها أن تطرد الصحوات لتستقبل شرطة الحكومة، بينما هي كمجموعات بشرية كبيرة لا تقل فقراً وبراءة وبساطة عن جماهير الشيعة والكرد والتركمان المظلومة فعلاً!
ارتضت جماهير السنة وبقناعة واضحة أن يكون الرجل الشيعي إياد علاوي زعيمها، وهي خطوة وطنية، يصعب على جماهير الشيعة التي أثقلت اليوم بالضخ الطائفي، الإيراني خاصة، الإقدام عليها أو حتى القناعة بها،
بينما كان الشيعة منذ عشرينات القرن الماضي هم من أنجب الأحزاب الوطنية والعلمانية،
فالحزب الوطني أسسه الشيعي جعفر أبو التمن ثم تناول الراية منه السني كامل الجادرجي وجماعة الأهالي الآخرون، ومن النخب الشيعية تكونت حركة القومين العرب، وحزب البعث نفسه نشأ في معظمه من شخصيات هم من أبناء الشيعة، وليس صدفة أن معظم مبدعي ومثقفي العراق هم من أبناء الشيعة، كان هؤلاء طليعة الشيعة للخروج من إطار الطائفة الخانق، والمرجعيات الضاغطة، والمحاولات الإيرانية المستلبة، فكانوا بحق من أهم قادة الوطنية في العراق، والحصن الروحي ضد الطائفية، وليس رجال الدين المسيسين.
لذا فإن دحر الكتلة العراقية سيعني بالضرورة، دحر اللقاء الوطني بين الشيعة والسنة على طريق الوطنية العراقية، والتخلي نهائياً عن المصالحة الوطنية التي تقدمها العراقية اليوم في حزمة واحدة، ومثل جهاز العرس!
غياب هذه الحقيقة عن رجل القضاء العراقي، هو الذي جعله يتسرع ويفسر المادة الدستورية الخاصة بمفهوم الكتلة التي تستحق الحكومة، خطأً أو بهوى خاص. وغياب هذه الحقيقة أو تغييبها هو الذي يجعل الكثيرين يمضون في هوس لعدم منح العراقية فرصتها لكي تكون ساحة للقاء الشيعة والسنة في تحالف حقيقي يكون هو الضربة القاصمة للطائفية والاحتراب الطائفي. ينظم إليه قادة الأكراد إذا شاؤوا دون شروط مجحفة!
ربما من السهل دحر العراقية بائتلاف شيعي - شيعي، يتحالف فيه مع الأكراد، حيث يتخلى الأكراد عن الطائفة من أجل القومية، ويتخلى قادة الشيعة عن القومية من أجل الطائفة، ولكن النتيجة ستكون وبالاً على العراق، ان بقاء السنة وهم جزء كبير لا يستهان به من جسد العراق وروحه وتاريخه يشعرون بالضيم والنبذ مصيبة جارحة لا قدرة لهم على احتمالها، ولا قدرة للعراق والمنطقة الملتهبة على تضميدها، وحين يقول قادة العراقية ان ذلك ستنجم عنه كوارث كبرى فهم لا يهددون، إنما ينبهون ويحذرون، لذا فان دحر العراقية ليس نصراً، فهو سيتحقق خلافاً للدستور، وضد أبناء الوطن الواحد، إنه فقط نصر لأعداء العراق.
بينما التحالف مع الكتلة العراقية وفق استحقاقها الانتخابي يتضمن أيضاً انجاز المصالحة الوطنية التي شكلت من أجلها وزارة وعقدت مؤتمرات عربية ودولية ولم تنجز شيئاً. التحالف هذا يقطع الطريق على المطالب القومية الكردية التي تكاد تصل حد الابتزاز ولا تقل خطورة عن الضغوط الإيرانية.
نقلاً عن quot; العالمquot; في rlm;2010rlm;-07rlm;-31
التعليقات