محمد صلاح الدين

أن يختلف الناس فذلك أمر طبيعي، جعله المولى عز وجل أساسًا ثابتًا من ثوابت الطبيعة البشرية منذ بدء الخليقة، سواء في ألسنتهم، أو ألوانهم، أو عقولهم وأمزجتهم، أو حبهم وكراهيتهم. ولقد كان الإسلام العظيم هو الذي أسس في مجتمعاته ثقافة الاختلاف، وأرسى قواعدها، وشرح آدابها ومنافعها، وسبل ترشيدها، وحذّر من أضرارها الفادحة إذا تجاوزت هذه الحدود، فتتحوّل إلى تنابز بالألقاب، وقوة هائلة تدمر الجماعات، وتعصف بمصائر الشعوب.
* * *
إن الذين أفتوا بحرمة زيارة العرب والمسلمين للقدس الشريف، وفي مقدمتهم الشيخ يوسف القرضاوي، واعتبروها اعترافًا علنيًّا بالاحتلال الصهيوني، وترسيخًا لحملات التهويد الإجرامية الشاملة للمدينة المقدسة، هذه الفتاوى التي انضم إليها مؤخرًا شيخ الجامع الأزهر الدكتور أحمد الطيب، لم تعجب الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ولم ترقْ لوزير الأوقاف والشؤون الدينية في حكومة السلطة الفلسطينية، الذي اعتبر فتوى القرضاوي فتوى حزبية (تأمّل!) وليست دينية، وأنها خدمة مجانية للاحتلال الإسرائيلي على حد تعبير الوزير، وذلك بعد أن أعلن الرئيس عباس بأن القرضاوي لا يفهم في الدِّين، وامتن عليه بأنه هو الذي عيّنه في قطر (وليس أمراءها)، واختتم تصريحاته بالدعاء على الشيخ القرضاوي قائلاً: laquo;الله لا يوفقكraquo;! ( عن جريدة المصري اليوم).
* * *
إن من سوء السياسة، وتجاوز اللياقة، استخدام هذه الألفاظ في الاختلاف عامة، ومع العلماء خاصة، ويخطئ قادة السلطة ووزراؤها إذا توهّموا، أن الجمهور العربي والإسلامي من السذاجة، بحيث لا يعرفون مَن الذي ظل طوال ثلاثين عامًا مضت، يقدّم خدمات مجانية للعدو الغاصب (بما في ذلك الخدمات الأمنية)، دون أن تتوقف يومًا واحدًا مذابح المدنيين الفلسطينيين، وتصادر بيوتهم وأراضيهم، وتسجن عشرات الألوف من رجالهم ونسائهم وأطفالهم، وتدمر كل المقومات الأساسية لحياتهم.
إن تهويد مدينة القدس الشريف لم يبدأ اليوم، بل بدأ منذ نكبة 1967، ووفق مخططات بعيدة المدى توشك أن يختتم إنجاز آخر فصولها، ويعلم الناس مَن كان يكافح طوال هذه السنين، في سبيل إيقاف تهويد هذه البقعة الغالية من مقدساتنا، ومن أمضى هذه الـ43 عامًا وهو يفاوض العدو، ويوقّع معه اتفاقيات التنازل تلو التنازل، ممّا قدّم للصهاينة غطاءً شرعيًّا لكل ما اقترفوه في الضفة الغربية وقطاع غزة، وأخطرها تهويد القدس.