يعقوب عميدور

كل انشغال بلجنة تيركل يعاني من النقص، إذ ان قسما هاما وربما الاساس من الامور هناك ترك الى مرحلة الجلسات السرية، ينبغي أن نذكر ذلك ايضا عند قراءة هذا المقال.
ومع ذلك، يمكن ويجب القول ان عدة امور مبدئية تفهم من الشهادات حتى الان: 'من المهم الايضاح المرة تلو الاخرى بأن المسؤولية تبقى بيد صاحب المنصب العالي حتى عندما لا يكون موجودا في المكان او في وضع يسمح له بممارسة مسؤوليته عمليا. وعليه، فمن المهم جدا التمييز بين 'الذنب' و 'المسؤولية'. الذنب ينبع من ان احدا ما يقوم بشيء ممنوع عمله او يرتكب خطأ جسيما. اما المسؤولية، بالمقابل، فتنبع من كونه صاحب المنصب حتى لو عمل على نحو سليم. خيراً فعل رئيس الوزراء حين عدل الانطباع الناشىء وكأنه يتنكر للمسؤولية بقوله انه عين وزير الدفاع في ادارة الامور في اثناء غيابه عن البلاد. من المهم أن نتذكر بأنه يبقى مسؤولا.
وزير الدفاع عمل في منصب مزدوج. فقد كان المسؤول بتكليف من رئيس الوزراء على الحلول محله كرئيس جهاز الامن الوطني عمليا، وفي نفس الوقت هو المسؤول بتكليف من الحكومة على الجيش بصفته وزيرا للدفاع. ولكن محظور علينا أن نتشوش، فحقيقة أنه رجل عسكري سابق لا تنقله من القيادة السياسية الى العسكرية، ومن المهم تأكيد هذا التمييز، اساسا لأن الكثيرين عندنا وزراء دفاع اصلهم من الجهاز العسكري. محظور أن يقع تشويش في هذا الشأن.
المبنى الاسرائيلي الخاص يلقي على رئيس الاركان عبئا كبيرا ويعطيه قوة خاصة في الدول الديمقراطية، حيث درج على اعتبار القائد الاعلى للجيش هو المدني الاعلى في الدولة. في الولايات المتحدة مثلا، هذا هو الرئيس. كل هذا، من أجل تشديد تبعية الجيش للمنظومة المدنية المنتخبة. في اسرائيل، لاسباب ليس هنا المكان لتفصيلها، رئيس الاركان هو القيادة العسكرية الاعلى حسب القانون وخط واضح يفصل بينه وبين القيادة السياسية. ويجدر بهذا الفصل ان نحافظ عليه جيدا.

' ' '

هذه التمييزات هامة كي نفهم الوضع الحساس الذي بين الجيش والقيادة السياسية. ودوما تثور اسئلة حول مبرر القيادة العسكرية العليا للنظر في اعتبارات تنتمي الى المكتب السياسي وكم صحيحا أن تتدخل القيادة السياسية في تفاصيل الفعل العسكري. عندما تكون القيادة السياسية ذات تجربة عسكرية تصبح المسألة اكثر حساسية بكثير.
على خلفية هذه التشديدات يمكن ان نصف بحذر اساس سير الامور في القيادة على النحو التالي: اسرائيل كانت على علم بالطبيعة الحساسة للامور. بذلت جهودا لالغاء رحلة الاسطول ووزير الدفاع، مثل رئيس الوزراء، شاركا في ذلك. مشوق أن نعرف اذا كان واضحا في هذه المراحل لاصحاب القرار انه خلف الاسطول تقف الحكومة التركية ورئيس وزرائها بشكل شخصي وانهم يرون في حماس اخاً حقيقياً. اقدر بان شبكة العلاقات مع تركيا، منذ البداية وفي نظرة الى الوراء، ستطرح في الجلسات السرية.
القرار بانه صحيح وقف الاسطول، حتى ولو بالقوة، اعتمد على التقدير بانه اذا كسر الاغلاق بهذا الشكل، فقد تجد اسرائيل نفسها في وضع متعذر، حيث تصبح كميات السلاح والذخيرة التي تصل الى غزة عبر البحر هائلة. وذلك لأن 'مرمرة' واحدة يمكنها ان تدخل الى القطاع اكثر مما يدخل عبر الانفاق في نصف سنة. لم تكن هذه مسألة اعتبارية فقط بل بالاساس مشكلة امنية. على هامش الامور يمكن ان نفهم بان الحكومة رأت في الاغلاق ايضا وسيلة سياسية للضغط على حماس ولكن ليس واضحا كم كان هذا هو الاعتبار في قرار وقف الاسطول.
واضح أن المشكلة الاساسية كانت تكمن في عدم فهم طبيعة المنظمة التركية التي قادت الاسطول. الدولة لم تعرف ابدا تركيا كعدو، الاستخبارات لم تستعد لجمع المعلومات عنها والتحقيق معها بصفتها هذه. وكانت النتيجة انه لم يكن اهتمام بالمنظمة، رغم أنه في مرحلة معينة كان واضحا انها هي التي تحرك الاسطول.
يخيل أنه كان ممكنا الوصول الى مزيد من المعلومات عن المنظمة وان لم يكن هناك أي يقين في أن يؤدي الامر الى تغيير في شكل عمل الوحدة البحرية. ولكن، على الاقل، كما يخيل، كان هذا سيعطي احتمالية اعلى للسيناريو الاكثر تطرفا وبالتالي لعل الصدمة كانت ستكون اقصر وعملية التنظيم في مواجهة العنف من المسافرين اسرع.
فضلا عن كل التفاصيل يبدو أن جذر الخطأ في معالجة الاسطول يكمن في عدم القدرة على فهم التغيير الذي مر على تركيا. كل الباقي ينبع من ذلك.

اسرائيل اليوم