مهنا الحبيل


كشفت مقالات حديثة في‮ ‬الصحافة المصرية النقاب مجدداً‮ ‬عن قضية المختطفات المصريات اللاتي‮ ‬تحولنّ‮ ‬من الأرثوذكسية القبطية عن قناعة تامة إلى الإسلام واقترن بعضهن بأزواج مسلمين ثم نفذت عليهن عملية خطف منظمة انتهت بإيداعهن في‮ ‬أديرة سرية بعضها تحت الأرض تتعرض فيها أولئك النسوة لمواعظ حادة تربط قضية إطلاقهن أو ترحيلهن بإعلان التوبة والعودة إلى الدين القديم أو تتحمل معاقبة الكنيسة القبطية،‮ ‬والأخطر أن مصير بعض الضحايا لا‮ ‬يعرف إن كن على قيد الحياة أم لا،‮ ‬ولا توجد أي‮ ‬جهة تتكفل بالتحقق من مجرد مكان احتجازهن وإن كانوا على قيد الحياة أم لا،‮ ‬وتحظى القضية بتعتيم ضخم من الكنيسة ورفض عن الإجابة على أي‮ ‬تساؤلات ترد إليها من أصدقاء أو أزواج الضحايا المختطفات‮.‬
وترفض السلطات التنفيذية الأمنية والتحقيقية تبني‮ ‬هذه الحالات بحكم موقف السلطات المصرية التي‮ ‬تمارس عليها ضغوط كنسية مصرية ودولية ضخمة تلزمها باستثناء أي‮ ‬حقوق مدنية أو دستورية أو مسارات عقابية أو تعهدات للجهات المنفذة للخطف ما دامت أي‮ ‬من القضايا التي‮ ‬يتقدم بها ذوو الضحايا تخص المسلمات الجدد المختطفات،‮ ‬وهذه الشهادة بواقع الحالة الكارثية تعرض لها عدد من الكتاب العلمانيين والإسلاميين في‮ ‬الصحافة المصرية متسائلين عن وحشية الإجراء مدنيا وتطرف الحركة الدينية القبطية الجديدة في‮ ‬عهد الأنبا شنودة،‮ ‬وماذا‮ ‬يعني‮ ‬تدخل الكنسية في‮ ‬حياة الفرد الخاصة ليس في‮ ‬الشؤون العامة بل في‮ ‬مجرد قرار وجوده في‮ ‬الحياة فكرياً‮ ‬وإنسانياً‮ ‬وشخصياً‮.‬
ولا أعرف حالة هزم فيها المجتمع المدني‮ ‬المصري‮ ‬كهذه الحالة التي‮ ‬لا تزال تدور أسئلة كبرى بل إدانات ضمنية عن تواطىء تكتل ضخم من الجمعيات الحقوقية النسوية المصرية المدنية عن‮ ‬غياب رفع الصوت عن تلك الضحايا والمطالبة بالكشف عن مصيرهن وإسقاط هذا الكهنوت الإرهابي‮ ‬المدمر لحياة الإنسان،‮ ‬والذي‮ ‬لو قدم كمادة لفيلم لكان من أكثر قضايا القمع الحقوقي‮ ‬للمرأة في‮ ‬تاريخ الإنسانية المعاصر،‮ ‬إن هذه الهزيمة تنطلق من حجم المعونات الضخمة التي‮ ‬تقدمها الولايات المتحدة لبعض هذه الجمعيات وكون أن الضحايا الجناة‮ ‬ينتمون إلى حالة كنسية متطرفة ترعاها حركة أقباط المهجر المدعومة من مؤسسات إستراتيجية محافظة في‮ ‬الولايات المتحدة فإن مواجهة هذا الإرهاب لا‮ ‬يمكن أن‮ ‬ينطلق بصورة تقارب ولو ربع ما‮ ‬يجري‮ ‬في‮ ‬بعض الحالات التي‮ ‬تتجاوز على حق المرأة المسلمة سواء كانت مزعومة ومبالغ‮ ‬فيها أو حقيقية بناء على تخلف الحالة الاجتماعية كما هي‮ ‬في‮ ‬وضع الوطن العربي‮ ‬إجمالا وهو ما‮ ‬يشكك في‮ ‬دوافع تلك الحملات رغم إيماننا العميق بضرورة أن‮ ‬ينهض المجتمع العربي‮ ‬ذاتيا ومن خلال فقه تحرير المرأة الإسلامي‮ ‬لمواجهة قضايا التخلف والقمع الاجتماعي‮ ‬ضدها،‮ ‬وإن الإخلال بمبادئ العدالة الاجتماعية الإسلامية للمرأة والطفل وسع دائرة تدخل المنظومات الحقوقية المسيسة مع تقديرنا لجهود المنظمات التطوعية الإنسانية المستقلة وغير المؤطرة لمشاريع خاصة برؤية الغرب لإعادة قولبة المجتمع العربي‮.‬
هذه التغطيات الواجبة لضحايا القمع الكنسي‮ ‬كذلك تختفي‮ ‬أو تختنق في‮ ‬كثير من فضاء الإعلام أو الحراك الثقافي‮ ‬المصري‮ ‬الذي‮ ‬أظهر بعضه خيانة فكرية تاريخية لمفاهيم حقوق المرأة الأولية في‮ ‬الحياة الإنسانية،‮ ‬وهذا التواطؤ على الضحايا هو عنصرية لا‮ ‬يجوز أن تفرز بها الضحايا كونهن قبطيات سابقات،‮ ‬فكما إن مصر ورثت منهاج العدالة الوطنية التي‮ ‬تضمنتها أحكام الشريعة وافق العرب الحضاري‮ ‬في‮ ‬عهود العلو الإنساني‮ ‬للأدوار الإسلامية وأضحت قضية ظلم أي‮ ‬قبطي‮ ‬أو قبطية خارج إطار دستور المجتمع وترفضها مروءة العربي‮ ‬المصري،‮ ‬فأيضاً‮ ‬يجب أن ترتفع الروح الوطنية والإنسانية لأولئك الضحايا كإنقاذ لحياتهن ولحقوقهن وليس لكونهن دخلوا في‮ ‬الدين الإسلامي‮ ‬فقط‮.‬
إن ما‮ ‬يجري‮ ‬عار تاريخي‮ ‬ينبغي‮ ‬أن‮ ‬ينتفض له حقوقياً‮ ‬من كل حراك مصر ومؤسساتها الثقافية والتشريعية لإيجاد عنصر ضغط توازن‮ ‬يدفع السلطات على منع استمرار هذا الإرهاب المروع،‮ ‬ووقف هذا الاستثناء الكهنوتي‮ ‬الذي‮ ‬يستدعي‮ ‬حالة أوروبا في‮ ‬القرون الوسطى ويعيد تعريف المرأة وحكم الكنيسة في‮ ‬صورة لا تشوه سمعة مصر فقط بل تفتح الأبواب إلى مدار خطير من القمع الكنسي‮ ‬ومن تدخله في‮ ‬حياة الإنسان وربط مصير القضايا الوطنية بإطلاق‮ ‬يده لا‮ ‬يد العدالة والحقوق والدستور الديمقراطي‮ ‬المغيب‮.‬