دبي - صباح كنعان


في مطلع هذا الشهر، أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن ldquo;القوات القتاليةrdquo; الأمريكية ستنسحب من العراق في نهاية الشهر، في حين أن بقية الحامية الأمريكية ستنسحب بنهاية العام 2011 . وعلى الفور، هلل قسم كبير من الصحافة في الولايات المتحدة وبريطانيا ل ldquo;نهايةrdquo; الحرب في العراق، وفسر إعلان أوباما على أنه يعني أن ldquo;القوات الأمريكية ستغادر العراقrdquo; .

لكن معلقين آخرين رأوا أن ذلك أبعد ما يكون عن الحقيقة، وقالوا إن القوات الأمريكية لن تعيد العراق إلى شعبه .

وفي مقال عبر موقع ldquo;كومون دريمسrdquo;، لاحظ المعلق اريك مارغوليس أن إدارة أوباما لم تشر بكلمة إلى نحو 85 ألف مرتزق أمريكي مدفوعي الأجر يعملون في العراق، ويعرفون باسم ldquo;المتعاقدين الأمنيينrdquo; .

كما لاحظ أن الحكومة الأمريكية تبني حالياً في بغداد مبنى جديداً لسفارتها سيكلف 740 مليون دولار، وسيعمل فيه 800 شخص .

ويقول مارغوليس: إن جوهر القضية بالنسبة للأمريكيين هو نفط العراق واحتياطاته من الطاقة .

وفي الوقت الراهن، تقدر احتياطات العراق في النفط بحدود 112 مليار برميل، ما يجعلها ثاني أكبر احتياطات في العالم بعد السعودية . والعراق لديه ايضاً مكامن غاز طبيعي هائلة . والولايات المتحدة لن تتخلى عن اشرافها على هذه الثروات الطبيعية، ومن المستبعد أن تترك العراق يخرج عن قبضتها .

وعلى صفحات يومية ldquo;الغارديانrdquo; البريطانية ldquo;بتاريخ 5 اغسطس/آب 2010rdquo;، كتب سوماس ميلني مقالاً بعنوان ldquo;الولايات المتحدة لا تنسحب من العراق، وإنما تعيد تجديد الاحتلالrdquo;، وقد جاء فيه:

ldquo;عملياً، لم يتغير شيءrdquo; في العراق، حسب تصريح للجنرال ستيفان لانزا الناطق باسم الجيش الأمريكي في العراق . فبعد انسحاب هذا الشهر، سيبقى 50 ألف جندي أمريكي في 94 قاعدة عسكرية، ومهماتهم تشمل تقديم ldquo;المشورةrdquo;، وتدريب الجيش العراقي، وrdquo;توفير الأمنrdquo;، والقيام بمهمات ldquo;مكافحة الإرهابrdquo; .

وفي المؤكد أن رقم 50 ألف جندي يمثل تخفيضاً كبيراً لأعداد القوات قياساً على حجم القوات قبل سنة . ولكن ما أسماه أوباما يوماً ldquo;الحرب الحمقاءrdquo; يستمر الآن بلا كلل . وفي الواقع، فإن العنف يتصاعد، وعدد المدنيين الذين يقتلون في العراق يفوق الآن مثيله في أفغانستان .

ومع أن الجنود الأمريكيين لم يعودوا يتحركون في الشوارع إلا في حالات قليلة، لايزال ستة منهم في المتوسط يقتلون كل شهر وفي الوقت ذاته، فإن قواعد القوات الأمريكية لاتزال تتعرض للقصف من قبل مجموعات مقاومة، في حين تتزايد خسائر القوات العراقية والمليشيات المدعومة في الولايات المتحدة . كما عاد تنظيم ldquo;القاعدةrdquo; (وهو هدية جورج بوش إلى العراق) لينشط في عدد من مناطق العراق .

والحكومة الأمريكية ليست بصدد إعادة تجديد الاحتلال فحسب، بل إنها تقوم أيضاً بتخصيصه، فهناك الآن حوالي 100 ألف متعاقد خاص يعملون لحساب قوات الاحتلال، من ضمنهم نحو 11 ألف مرتزق مسلح جاء معظمهم من البلدان النامية . وقبل أسبوعين قتل عنصر بيروفي واثنان أوغنديان في هجوم بقذائف صاروخية على المنطقة الخضراء .

والولايات المتحدة تريد الآن زيادة أعداد هؤلاء المرتزقة بصورة كبيرة، وهو ما أسماه جيريمي سكاهيل، الذي أسهم في فضح دور الشركة الأمنية الأمريكية الشهيرة ldquo;بلاك ووترrdquo;، بأنه ldquo;الموجة التاليةrdquo; من المتعاقدين في العراق، ووزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون تريد زيادة عدد المتعاقدين العسكريين الذين يعملون لحساب وزارتها وحدها من 2700 إلى ،7000 وهؤلاء سيتمركزون في خمسة ldquo;معسكرات دائمةrdquo; في العراق . وأفضلية احتلال بواسطة عناصر أجنبية هو طبعاً أن أشخاصاً غير الجنود الأمريكيين سيموتون من أجل الاحتفاظ بالسيطرة على العراق . كما أن هذا النوع من الاحتلال يساعد في الالتفاف على تعهد الحكومة الأمريكية - قبيل نهاية رئاسة بوش - بسحب جميع القوات الأمريكية بنهاية 2011 . وهناك عذر آخر، متوقع على نطاق واسع بين جميع الأطراف، وهو تقدم العراق بطلب جديد لابقاء قوات أمريكية . والأمر الواضح بجلاء الآن، هو أن الولايات المتحدة - التي أصبحت سفارتها في بغداد الآن بحجم مدينة الفاتيكان - لا تنوي ترك العراق يخرج عن سيطرتها . وأحد أسباب ذلك يمكن رؤيته في حوالي 12 عقداً على مدى 20 عاماً لإدارة أكبر حقول النفط في العراق، اهديت العام الماضي إلى شركات أجنبية، بما فيها ثلاث شركات انجلو - أمريكية كبرى كانت تستغل بترول العراق تحت السيطرة البريطانية قبل عام 1958 .

والشكوك حول شرعية هذه العقود جعلت بعض الشركات الأمريكية تبتعد عن العراق، ولكن الغنيمة بالنسبة للولايات المتحدة أكبر من العقود ذاتها، التي تضع 60% من احتياطات العراق تحت سيطرة شركات أجنبية لأمد طويل، فإذا تحققت زيادات كبيرة في إنتاج النفط كما هو مخطط له، فإن أسعار النفط في الأسواق العالمية يمكن أن تهبط بشكل حاد، وبالتالي يمكن كسر سيطرة دول ldquo;اوبيكrdquo; على هذه الأسواق .