إياد أبو شقرا

laquo;إن العقل هو وكيل الله عند الإنسانraquo; (الجاحظ)

بشرتنا واشنطن خلال الأسبوع بقرب انطلاق مفاوضات السلام الإسرائيلية - الفلسطينية المباشرة مع أن لا معطيات مطمئنة على هذا الصعيد، بل على العكس، فكل ما تعيشه منطقة الشرق الأوسط، وكل ما يحيط بها ويؤثر على مصيرها، يندرج إما تحت خانة انتصار التطرف أو خانة المؤامرة.

انتصار التطرف حالة قد لا تستسيغ واشنطن تحمل تبعاتها... لكن، مع الأسف، هذا هو الواقع بالضبط. ومع أن أحدا لا يجادل في أن آيديولوجية الإدارة الأميركية السابقة، التي عززت مناخ التطرف والتطرف المضاد في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي تختلف عن آيديولوجية الإدارة الحالية... فمنطق الأمور يقول إن على أي سلطة تحمل مسؤولياتها، وعلى أي قائد استيعاب تبعات دوره.

ثم إذا كان باراك أوباما جاء إلى البيت الأبيض لمعالجة الأعراض البشعة التي تسببت فيها سياسات الجمهوريين اليمينيين، فإنه يعرف جيدا معدنهم ومشاربهم، ويدرك ميزان القوى داخل ردهات السلطة في واشنطن. وبالتالي، فهو يفهم أن مواجهة آيديولوجية الجشع والعداء العنصري، التي طبعت وتطبع نهج اليمين الجمهوري، لا يمكن أن تنجح عبر الترضية والتردد، بل عن طريق المواجهة... ولا شيء غير المواجهة.

ولقد جرب laquo;ليبراليوraquo; الحزب الديمقراطي، غير مرة، في تاريخ أميركا المعاصر مقاربة التحديات السياسية بأسلوب الترضية وهاجس الشعور بالذنب، فكانت النتيجة في كل مرة نكسة مؤلمة لأميركا وللعالم... يتعزز معها نفوذ التيار الأشد تطرفا وتعنتا ورجعية داخل الحزب الجمهوري. فأخطاء ليندون جونسون في فيتنام جلبت ريتشارد نيكسون إلى الرئاسة حيث قطف الثمرة مع هنري كيسنجر. وسوء تقدير جيمي كارتر وتردده ndash; بالذات - في قضايا الشرق الأوسط - زرعا laquo;كامب ديفيدraquo; التي شقت العرب... كما حولا اليمين الليكودي إلى laquo;حزب السلطةraquo; الطبيعي في إسرائيل، وجعلا من أخذ رهائن السفارة الأميركية في طهران خير هدية يستغلها رونالد ريغان لدخول البيت الأبيض. ومحاولات بيل كلينتون اتقاء سهام الجمهوريين المنصبة على فضائحه النسائية بالمساومة على المبادئ سمحت لرئيس مجلس النواب الجمهوري laquo;المتطرفraquo; نيوت غينغريتش بشل فترة رئاسته الثانية، بل شجعت اليمين الجمهوري على سرقة انتخابات الرئاسة عام 2000 في وضح النهار.

واليوم، بعد الكوارث التي جلبتها لأميركا فترتا رئاسة جورج بوش الابن، اقتصاديا وأمنيا وسياسيا، يظهر أن جبن الديمقراطيين وترددهم... وهروبهم الدائم من الحسم إلى الترضية والمساومة، سيسقطهم من جديد. وسيفقدهم في المستقبل القريب زمام المبادرة أمام نسخة جديدة من اليمين الجمهوري، غاية في التعصب والعداء، يعبر عنها تيار laquo;حفلة الشايraquo; وأبواق laquo;فوكس نيوزraquo; ورموز laquo;الصهيونية المسيحيةraquo; التعبوية.

في كل مناسبة تعد فيها إدارة أوباما ولا تفي، وفي كل مرة تتردد حيث لا يجوز لها أن تتردد... تُضاف نقاط ثمينة إلى رصيد اليمين الأميركي المتطرف.

أما خارج أميركا، فالواضح أن ثمة قوى مرتاحة لـlaquo;سيناريوraquo; من هذا النوع. وهي مرتاحة، إما لأنها في حالة انعدام منطق، أو لأنها جزء من laquo;مؤامرةraquo; تهدف إلى إسقاط أي تعايش عقلاني يقوم على احترام حقوق الإنسان، وتفهم حق الاختلاف، وتثمين التنوع الثقافي والديني. فالمتطرف، شاء أم أبى... أدرك أم لم يدرك... حليف طبيعي للمتطرف على الجانب الآخر من السياج.

وكما حصل مع جيمي كارتر، في الملف العربي - الإسرائيلي والملف الإيراني، قد تجد إدارة أوباما نفسها - وسط سوء تقديرها وترددها - سائرة نحو هزيمة مدوية، إن لم يكن في الانتخابات النصفية بمطلع نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، فخلال سنوات قليلة مقبلة.

أساسا، اليمين الجمهوري لم ينته بنهاية رئاسة بوش الابن. والأسوأ من هذا أنه لم يخجل، ولن يخجل، بكل ما فعله في الشرق الأوسط... سواء لجهة ربط استراتيجيته الإقليمية بأولويات laquo;الليكودraquo; الإسرائيلي، أو إشراعه أبواب المنطقة أمام إيران. وخلال الأسبوع الماضي فقط ذكرنا بنفسه جون بولتون، أحد laquo;صقورraquo; إدارة بوش، عندما نصح إسرائيل بأن أمامها أياما معدودات لضرب مفاعل بوشهر!

ولكن، طبعا، لا بولتون ولا أي من laquo;ليكودييraquo; جماعة laquo;المحافظين الجددraquo;، التي خططت لبوش الابن ونفذت باسمه حرب احتلال العراق، يتمتع بنزاهة كافية للإقرار بأن إيران ما كانت لتحقق ما حققته حتى اللحظة... لولا سياسات واشنطن وlaquo;ليكودييهاraquo;.