دعوة لتوريط مبارك
فهمي هويدي
الشرق لقطرية
أفهم أن يوجه أوباما الدعوة إلى مبارك للمشاركة في إطلاق المفاوضات المباشرة في واشنطن بين الإسرائيليين والفلسطينيين. لكنني لم أفهم لماذا يستجيب الرئيس المصري لندائه، واستغرب جدا حفاوة الإعلام الرسمي في مصر بتلك الدعوة المريبة، فالرئيس الأمريكي هو الذي قرر عقد الاجتماع وإجراء المفاوضات المباشرة، استجابة لطلب نتنياهو. وهو يريد أن يحقق إنجازا يعزز به موقفه في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في أوائل نوفمبر المقبل. ويريد في الوقت ذاته أن يكسب إلى صفه اللوبي الصهيوني في بلاده، ويريد أن يهدئ الموقف على الجبهة الفلسطينية بأي وسيلة، لينصرف إلى التعامل مع إيران. وإلى جانب هذا كله وذاك فهو يريد من الرئيس المصري ومعه العاهل الأردني أن يستخدما ثقلهما في الضغط على الفلسطينيين، خصوصا أنهما لعبا دورهما في ترتيب المفاوضات المباشرة.
الخلاصة أن الرئيس الأمريكي له حساباته التي تصب كلها في مصلحة إسرائيل. وكما أن واشنطن كان لها دورها من خلال أصدقائها laquo;المعتدلينraquo; في توفير الغطاء العربي للتراجعات الفلسطينية المختلفة في الآونة الأخيرة، فإنها حرصت على أن يتوفر ذات الغطاء للمفاوضات المباشرة.
لأن الأمر كذلك فأزعم أن ذهاب الرئيس مبارك إلى واشنطن للاشتراك في إطلاق المفاوضات يمثل مغامرة كبرى. فالشكوك في جدواها أكيدة. وثمة إجماع على ذلك بين أغلب المعلقين والمحللين. وقد عبر عن ذلك السيد عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية، الذي قال في تصريح للأهرام نشر في 23/8 إن نتنياهو وضع أمام المفاوضات شروطا مستحيلة. وهو الذي طالب الفلسطينيين بعدم الحديث عن أي مطالبات، حتى إذا كانت تمثل استحقاقات تم الاتفاق عليها في مرات سابقة (خريطة الطريق مثلا). وهو ما إن اطمأن إلى رضوخ العرب والفلسطينيين ومشاركتهم في المفاوضات حتى تحدث عن ضرورة الاعتراف بيهودية الدولة وعن دولة فلسطينية مجردة من السلاح. وعن متطلبات ما سماه أمن إسرائيل. وتمسكت مصادره باستئناف المشروعات الاستيطانية علنا بعد 26 سبتمبر المقبل.
إن مختلف الدلائل تشير إلى أن نتنياهو سيذهب إلى واشنطن لكي يفرض شروطه، بعدما استطاع أن يملي على الجميع ما يريد. وهو مطمئن إلى مساندة الرئيس أوباما والكونجرس الأمريكى له. وهو مدرك أيضا أن أوباما ليس على استعداد لإغضاب إسرائيل حتى لا يعود عليه ذلك بالخسارة فى الداخل.
الملاحظة الجديرة بالاهتمام في هذا الصدد أن الضغوط الأمريكية والإسرائيلية نجحت في تعديل موقف الرباعية الدولية، ورجوعها عن بيان سابق تحدثت فيه عن وقف الاستيطان والعودة إلى ما قبل حدود عام 1967. وهو البيان الذي رفضته إسرائيل بشدة. مما دفع الرباعية إلى إصدار بيان جديد في 20/8 خلا من الإشارة إلى وقف الاستيطان. ودعا بالمقابل إلى الامتناع عن أي laquo;أعمال استفزازيةraquo; من laquo;الطرفينraquo;، (تلاعبوا بالكلمات وضحكوا علينا) وكانت تلك إشارة خضراء لاستئناف المشروعات الاستيطانية دون اعتبار للتهديدات الفلسطينية بالانسحاب من المفاوضات إذا تم ذلك. كذلك خلا البيان أيضا من الإشارة إلى مطالبة انسحاب إسرائيل وراء حدود عام 1967، باختصار فإن بيان الرباعية أعيدت صياغته في نيويورك لكى يستجيب للمطالب الإسرائيلية، وهو ما يشي بما يمكن أن تمضي فيه المفاوضات المباشرة، التي تعد إسرائيل الطرف الأقوى فيها بامتياز.
المدهش أن جريدة الأهرام التي رحبت بالدعوة المريبة نشرت يوم الأحد الماضي 22/8 أن الشكوك تخيم على قدرة واشنطن على حل القضية، كما أن إجماعا بين المتابعين على أن الفشل الذي منيت به جهود المبعوث الأمريكي جورج ميتشيل في مسعاه لتقريب وجهات النظر في المفاوضات غير المباشرة، سيظل مخيما على جلسات الحوار فى المفاوضات المباشرة.
إذا كان التشاؤم ظاهرا إلى ذلك الحد، فلماذا يغامر الرئيس مبارك بحضور إطلاق مفاوضات للنجاح فيها معنى واحد في نظر الإدارة الأمريكية هو تغليب وجهة النظر الإسرائيلية وانتزاع أكبر قدر من التنازلات من الفلسطينيين. أفهم أن يذهب الرئيس إلى واشنطن في ختام المحادثات، وليس في بدايتها، إذا ما بدا أنها حققت أي نجاح يستجيب للمطالب الفلسطينية، أما أن يدعي لشهود إطلاق المفاوضات فذلك توريط له. وأكرر أنه لا تفسير لذلك سوى أنه يراد للرئيس المصري أن يكون عنصر ضغط على الفلسطينيين ولكى يحقق الإسرائيليون والأمريكيون المكاسب التي توخوها. فلماذا يضع الرئيس نفسه في هذا الموقف؟ هل يمكن أن نقول لا لواشنطن؟ وهل نستطيع؟.
هموم مصرية في أسماء الشوارع.. إرادة الشعوب أقوي
عباس الطرابيلي
صحيفة الوفد المصرية
تظل ذاكرة الأمة تحفظ تاريخ هذا الـشعب.. ولا تفرط فيه.. مهما كانت القوة التي تحاول تغيير ما رسخ في ذاكرتها.. ونجد ذلك واضحاً في أسماء الشوارع والميادين. والمدن.. حدث ذلك في مصر.. وفي غيرها من البلدان والمثل أمامنا نجده واضحاً في أكثر من مثل ما جري في روسيا.. وبالذات في مدينة تاريخية مثل سان بطرسبورج وما حدث لها من إطلاق أسماء أخري مثل ستالينجرار.. أو ليننجرار عليها.. وبعد أن انزاحت عنها الغمة الشيوعية عاد الاسم إلي المدينة القديمة. وفي مصر حدث مثل ذلك.. ففي بداية ثورة يوليو 1952قامت raquo;هوجةlaquo; لتغيير كل ما هو قديم.. عندنا مدن تحمل أسماء ملوك قدماء.. معظمهم ينتمي إلي الأسرة العلوية مثل مدينة الإبراهيمية وهذه تنسب إلي القائد الكبير إبراهيم باشا.. وعندنا مدينة الصالحية وهذه تنسب للملك الصالح نجم الدين أيوب.. وعندنا بورسعيد تنسب إلي الوالي محمد سعيد باشا ابن محمد علي.. والإسماعيلية تنسب للخديو إسماعيل.. وعندنا بورفؤاد وتنسب للملك فؤاد.. وبور توفيق وتنسب للخديو توفيق.. وهذه كلها عجزت الثورة عن تغيير أسمائها.. ** وحتي نعرف معني مقاومة الشعب لعمليات التغيير تعالوا نطف بالعاصمة.. القاهرة. فالثورة غيرت اسم كوبري قصر النيل.. مرة إلي كوبري التحرير.. وأخري إلي كوبري جمال عبدالناصر.. وأحيانا كوبري السادات.. ولكن الشعب ظل يحتفظ باسم: كوبري قصر النيل الذي أطلق عليه من أيام الخديو إسماعيل وحتي اسم ميدان التحرير تغير كثيرا.. واسمه الأصلي هو ميدان الإسماعيلية، والعواجيز مازالوا يتذكرون قاعدة التمثال التي كانت تتوسط هذا الميدان انتظارا لوضع تمثال الخديو اسماعيل فوقها ولكن وصل التمثال متأخرا، بعد أن قامت الثورة بأيام.. وكان هذا الميدان يتوسط الحي الجديد الذي أقامه الخديو إسماعيل ليكون واجهة للقاهرة الخديوية.. وقامت الثورة فأطلقت علي الميدان اسم: ميدان التحرير.. ولكنها تركت قاعدة التمثال الي أن قررت إنشاء مترو الأنفاق وتطوير تخطيط الميدان فنقلت قاعدة التمثال الي مخازن المحافظة. وبعد وفاة عبدالناصر أطلقت الحكومة اسمه علي هذا الميدان وهناك من أطلق اسم السادات علي نفس الميدان.. ولكن ظل الاسم الأول هو: ميدان التحرير. ** وميدان وشارع سليمان باشا وسط القاهرة الخديوية، وكان تمثال هذا القائد العسكري العظيم يتوسط الميدان ولكن الثورة رأت ان تضع تمثالاً للاقتصادي الكبير طلعت حرب مكانه وإطلاق اسمه علي الميدان والشارع كله.. وخلعت تمثال سليمان باشا الفرنساوي ونقل إلي مخازن وزارة الدفاع بشارع الخليفة المأمون، بحكم انه كان قائداً عسكرياً وكان يشغل موقع رئيس اركان حرب الجيش المصري أيام محمد علي وعدد من حكام مصر إلي أن مات فتم دفنه في مقبرة بسيطة في الحي الذي يحمل اسمه في مصر القديمة.. حي الفرنساوي. ولكن المصريين مازالوا يطلقون اسمه - حتي الآن - علي الميدان الذي كان يطل عليه تمثاله وعلي الشارع كله من ميدان التحرير.. وحتي شارع 26 يوليو، فؤاد الأول سابقا!! ** وفي منطقة عابدين شارع كان يحمل اسم السلطان حسين، وهو الذي حكم مصر منذ عام 1914 الي أن توفي عام 1917 وهذا الشارع علي يمين قصر عابدين الذي بناه الخديو إسماعيل والد السلطان حسين.. وبعد الثورة اطلق عليه الثوار اسم شارع الشيخ ريحان.. ولكن مازال العواجيز يطلقون عليه الاسم القديم: السلطان حسين.. إذن الشعب يصمد أمام محاولات التغيير وخصوصاً إذا كانت تتضمن أسماء مازالت تعيش في وجدان الأمة.. فالثورة عجزت عن محو اسم حاكم خان مصر هو الخديو توفيق إذ هناك منطقة بالكامل تحمل اسمه في قلب القاهرة هي حي التوفيقية.. وفيه واحد من أكبر الأسواق.. حتي وأن نجحت في تغيير الشارع الرئيسي بالمنطقة وهو شارع توفيق الذي يبدأ من شارع 26 يوليو ويصل الي شارع رمسيس.. غيرته الي اسم عرابي.. الرجل الثائر الذي تصدي لخيانة توفيق. ** بل عجزت عن العبث باسم نوبار الذي كان أول رئيس للوزراء في مصر raquo;ناظر النظارlaquo; وهو صاحب فكرة قانون المحاكم المختلطة.. ولم تغير اسمه من الشارع الذي يبدأ من نهاية شارع شريف ـ في باب اللوق ـ ويعبر ميدان لاظ أوغلي إلي أن يصل إلي شارع المبتديان raquo;محمد عز العربlaquo; ولهذا الشارع قصة يجب أن نذكرها.. ثم نجد الآن حكومات الثورة نفسها قد أطلقت اسم نوبار علي مدينة raquo;النوباريةlaquo; كذلك اطلقت اسمه علي واحدة من أكبر الترع الحديثة لري أراضي الطريق الصحراوي للإسكندرية. ** إرادة الشعوب.. أقوي من إرادة الحكومات وأقوي من قراراتها.
التعليقات