خليل حسين

تنطلق في الثاني من سبتمبر/أيلول المفاوضات المباشرة بين الجانبين الفلسطيني وrdquo;الإسرائيليrdquo; بجدول ربما يعتبر الأطول زمناً في عالم التفاوض وعالم النزاعات الإقليمية والدولية، إذ يكاد يكون الأوحد من مخلفات نزاعات القرن العشرين، وربما سيستهلك قرناً آخر قياساً بموضوعات التفاوض وطريقة ldquo;إسرائيلrdquo; في إدارتها وفرض شروطها . فماذا في الموضوعات؟ وماذا في وجهتي النظر؟ وهل ثمة مصير ومسار واضحان للتفاوض؟

ثمة أربعة موضوعات رئيسة هي اللاجئون، المستوطنات، القدس والدولة، وبالطبع يتفرع منها العديد من المسائل التي تعتبر بمثابة ألغام إضافية قابلة للتفجير عند كل منعطف تفاوضي . وفي مطلق الأحوال ثمة وجهتا نظر من الصعب التوفيق بينهما أو إيجاد قواسم مشتركة قابلة للبناء عليها .

في موضوع اللاجئين، يستند الفلسطينيون إلى قرار الجمعية العامة للامم المتحدة 194 لعام ،1948 علاوة على مبادرة بيروت 2002 وخريطة الطريق بهدف الوصول إلى حل عادل، إلا أن الموقف الفلسطيني لم يوضح بدقة ما هو الحل العادل ولم يستخدم مصطلح حق العودة ولا إلى أي مكان سيعودون .فيما تعتبر ldquo;إسرائيلrdquo; حق العودة خطاباً مستوحى من ظروف الخمسينات والستينات من القرن الماضي الذي لا يتوافق بنظرها مع المتغيرات، إضافة إلى أن حق العودة يتناقض مع مفهوم الدولة التي يطالب بها الفلسطينيون، باعتبار أنه إذا أنشئت الدولة الفلسطينية فلماذا يعود اللاجئون إلى ldquo;إسرائيلrdquo;؟ . وبالتالي حاولت ldquo;إسرائيلrdquo; بشكل دائم مقايضة الفلسطينيين بالتخلي عن حق العودة مقابل الوعد بالدولة .

في قضية المستوطنات يعتبر الفلسطينيون أنها غير شرعية وغير قانونية وينبغي توقيف بنائها، والملاحظ في الفترة الأخيرة أن الفلسطينيين توقفوا عن المطالبة بإزالة المستوطنات التي بُنيت بعد العام 1967 في الضفة والقدس مثل ادوميم ومعاليه . في مقابل ذلك تتعامل ldquo;إسرائيلrdquo; مع هذه القضية من وجهتين، في المستوطنات غير القانونية وهي قليلة ولا يتجاوز عددها ال 250 وذات الكثافة الاستيطانية الخفيفة يمكن التنازل عنها وهي في الأساس مستوطنات بُنيت بهدف تفاوضي للحل النهائي . أما المستوطنات الكبيرة الأخرى كادموميم ومعاليه فتعتبرها جزءاً مما يسمى ldquo;أرض أورشليمrdquo; غير القابلة لأي تنازل .

القدس الشرقية بالنسبة للفلسطينيين عاصمة الدولة الموعودة، وفي وقت يطالبون بالسيادة الكاملة على المسجد الأقصى يقترحون التوصّل لضمانات بخصوص حائط البراق بهدف إتاحة وصول اليهود إليه للصلاة أمامه . فيما تعتبر ldquo;إسرائيلrdquo; القدس عاصمة أبدية لها قانونياً وواقعياً منذ العام ،1980 وتعلن ldquo;إسرائيلrdquo; أنها أبطلت وألغت التعهدات التي أطلقتها في مفاوضات كامب ديفيد 2000 لجهة تقسيم القدس وموافقتها المبدئية بإمكان التخلي عن السيادة على الحرم القدسي .

يطالب الفلسطينيون بدولة حدودها الرابع من يونيو/حزيرن 1967 التي لا تزيد مساحتها عن 22 في المئة من مساحة فلسطين التاريخية، على أن تكون القدس الشرقية من ضمنها علاوة على الضفة الغربية وغزة وبأن تكون قابلة للاتصال بينها وكذلك مع العالم الخارجي . في المقابل توافق ldquo;إسرائيلrdquo; على تجميع الفلسطينيين في دولة بهدف أن تكون ldquo;إسرائيلrdquo; دولة يهودية خالصة، لكن أي دولة توافق ldquo;إسرائيلrdquo; عليها؟ دولة منزوعة السلاح لا سيادة لها، عبر التحكّم بدقائق وتفاصيل المعابر البرية والبحرية والجوية . باختصار دولة مقزّمة، أرض مقطعة الأوصال محاطة بجدار عازل، سلطة بلا سيادة داخلية ولا خارجية .

في المواقف المعلنة يتمسك الطرفان بعدم أحقية اللجوء إلى الشروط المسبقة أياً كان نوعها أو موضوعها أو هدفها، لكن التدقيق يظهر بشكل جلي الشروط ldquo;الإسرائيليةrdquo; المسبقة لا سيما المستوطنات التي وافقت ldquo;إسرائيلrdquo; لا على وقفها إنما تجميدها لمدة عشرة أشهر . إلى جانب موضوع الدولة وما يتصل بسيادتيها الداخلية والخارجية . وبطبيعة الأمر تذهب ldquo;إسرائيلrdquo; إلى طاولة المفاوضات المباشرة وهي تسمع للمطالب الفلسطينية لكن ليس بالضرورة تفهمها وتلبيتها،بل العمل على إنتاج مواقف تفاوضية سرعان ما تتحول إلى واقع يلغي المطالب السابقة وتتحدد أطر جديدة فيها الكثير من التنازلات .

وإذا كانت هذه الأسس التي طبعت جداول المفاوضات بشقيها المضمر والمعلن خلال عقدين من الزمن،فهل ستتبدل الأمور والقضايا والمسائل في هذه الجولة المقدر لها عاماً من الزمن؟ بالاستناد إلى المواقف ldquo;الإسرائيليةrdquo; وتصريحاتها، وبخاصة وزير الخارجية افيغدور ليبرمان، لا تشير إلى أية إيجابية، بل إن نعي عملية التفاوض قد تمَّ قبل البدء بها، عدا عن الخلاف والفجوات الكبيرة المعلنة حول جميع الموضوعات المطروحة للتفاوض وفي طليعتها حالياً قضية المستوطنات .

إن انطلاق المفاوضات المباشرة بتغطية عربية من الصعب أن تؤدي وظيفتها أو دورها المفترض من وجهة نظر ما يطلق عليه محور الاعتدال العربي، ذلك بمعزل عن رضى وموافقة ولو ضمنية من الجهة المقابلة أي عرب الممانعة والمقاومة الأمر غير المتوافر في حدوده الدنيا، ما يعني عملياً أن ثمة بيئة عربية غير ملائمة لانطلاقتها، وبالتالي إن عملية التغطية تتطلب شروطاً ووقائع اضافية في غير ساحة عربية مشتعلة أو مهيأة لذلك كالعراق ولبنان وغزة مثلاً .

لقد أعطى العرب لrdquo;إسرائيلrdquo; فرصاً كثيرة كان آخرها المفاوضات غير المباشرة لمدة أربعة أشهر، وكأن الهدف منها كان جلب الفلسطينيين مجدداً إلى مفاوضات مباشرة هدفها بلع وهضم بعض المطالب الفلسطينية التي ما زالت تصر ldquo;إسرائيلrdquo; على عدم التنازل عنها، وهي صفة خاصة اتسمت بها إدارة التفاوض ldquo;الإسرائيليةrdquo; مع الفلسطينيين خاصة والعرب عامة .

إن أخطر ما في عملية التفاوض أمران، الأول محاولة إقناع الفلسطينيين أنفسهم بأنهم غير قادرين على الوصول إلى حقوقهم المشروعة إلا بالتفاوض المباشر وبأي ظروف كانت . أما الأمر الثاني فهو اقتناع ldquo;إسرائيلrdquo; ومحاولة إقناع غيرهم بأن لا الفلسطينيين ولا غيرهم قادرون على انتزاع أي موقف أو وعد لا تريده هي أولاً وأخيراً، وبالتالي إن مسيرة المفاوضات ومصيرها لن يختلفا عما سبقها، تنازلات فلسطينية ومكاسب ldquo;إسرائيليةrdquo; تقود إلى جولات أخرى لاحقة يكون هدفها أيضاً إجبار الفلسطينيين على تقديم ما تبقى لديهم من أمور يمكن التفاوض عليها إلى أن يأتي الوقت الذي يكون التفاوض عنها جاهزاً .