عمان - بسام البدارين

مرة أخرى تدخل النخب الأردنية في مفارقة متعاكسة لا أحد يعرف كيف يمكن الإفلات منها، تتمثل في الجلوس سياسيا بزاوية ضيقة جدا ما بين الدعوة لاستعادة الولاية العامة عبر هجمات منظمة تقضي على كل أشكال 'ثقل وثقافة الظل' وبين حكومة استعادت فعلا الولاية العامة وبدأت تتهم بالإستبداد والتفرد.
وفي السياق لم يعد من الممكن تحديد هوية ما الذي تريده بصورة محددة المجموعات النشطة سياسيا وإعلاميا والتي تصدر البيانات وتشكل اللجان وسط تزايد واضح في مجتمع 'الشغب'.. هذا المجتمع يتناسل ويتكاثر بصفة يومية ويحترف الشغب والتحرش بالحكومات القائمة في تعاط دائم ومستمر مع 'موضة نخبوية' لا مجال لإجهاضها اليوم.وهي موضة لا تعبرعن حراك سياسي بقدر ما تمثل مصالح أحد أعرض الأندية في الحياة السياسية اليوم وهو نادي المشاغبين الذي يضم وزراء سابقين أخرجتهم نزعات تجديد الدماء عن سكة الحكم والدولة وامتيازاتهما.
كما يضم نادي الشغب متضررين كثيرين من موجات الحديث عن الإصلاح حتى وإن لم تتحول بعد إلى إصلاح حقيقي إضافة لإعلاميين ونشطاء ومتقاعدين ذاق بعضهم 'حلاوة' العطايا وامتيازات المناكفة. ويعتقد بعضهم الآخر أن مصير الوطن الأردني برقبته حصريا فيما يتوهم البعض الآخر بان الدولة تضعف والفرصة مناسبة لإعادة إنتاج قواعد اللعبة.
وأعضاء هذا النادي يتحركون في إطار قناعة مطلقة بأنهم 'أسقطوا' في الماضي القريب حكومات وشخصيات متنفذة ومراكز ثقل وبالتالي يستطيعون تكرار التجربة والبقاء في مربع الأضواء عبر هذا التكرار وعبر آلية تكرار الإعتراضات في كل الإتجاهات.
لذلك لا تخلو الساحة من نزعات ثأرية ضد النظام والحكومة ولا من شخصيات كانت في ظل الأحداث ودخلت دائرة المجد في التجاذبات الشهيرة عامي 2007 و2008 أو من شخصيات خدمتها فرصة التزوير بالإنتخابات السابقة فأصبحت في صفوف المجتمع الأولى او تعرضت لموجات دلال أدخلتها حتى من باب الوهم في مستوى التأثير بمجريات القرار والواقع الموضوعي.
والعضوية في نادي الشغب كفلت دوما في السنوات الخمس الماضية لصاحبها مقعدا في صفوف المتفرجين الأولى ودفعت بالبعض لمواقع الوزارة المتصدرة بعدما أصبحت أدوات الرد من الدولة ضعيفة او مخبأة برسم استحقاق سياسي أكثر أهمية.
وعليه فما يجري ليس محصلة لتطور الحوار الديمقراطي - الحرياتي في المشهد السياسي الداخلي بقدر ما هو تعبير عن تقاطعات مصالح فردية مفعمة بالنكاية والرغبة في تحصيل امتيازات الشغب، كما يرى المحلل السياسي محمد عوده الذي يرى أن التجاذبات الداخلية لا تعكس حوارا وطنيا صحيا بقدر ما تنطوي على رسائل مناكفة شخصية للنظام وللحكومات القائمة. دليل عودة على ذلك ملموس وعلني ويتمثل في المفارقة التي رصدها الجميع مؤخرا، فأعضاء نادي الشغب المتناسلون يوميا هم عمليا المسؤولون عن ضرب فكرة الهيئات الإستشارية ولجان التفكير وحكومات الظل على أساس الإسطوانة المعهودة المتمثلة بضرورة التمسك بالولاية العامة وبالأسس الدستورية.
ولان الشغب أصبح موضة لا تعبر عن قوى ضغط حقيقية أو برامجية في المجتمع لاحظ الجميع بان النشطاء وأصحاب الأقلام ومصدري البيانات ومشكلي اللجان الذين قاتلوا مسارات الإصلاح السياسي وهيئاته قبل ثلاث سنوات بدعوى تكريس مبدأ الولاية العامة للحكومة ووجود قوى في العتمة في مؤسسات الحكم تخطط للوطن البديل هم انفسهم من يقاتلون الآن بشراسة الحكومة التي ذهب رئيسها سمير الرفاعي إلى أقصى مدى ممكن في تكريس الولاية العامة.
ذلك لم يعد يعني إلا أن العضوية في نادي الشغب أصبحت أكثر تمرسا ولم تحدد بعد ما الذي تريده.. فمن خطبوا مرارا وتكرارا ضد الدولة التي مست بمبدأ الولاية العامة يهتفون الآن ضد حكومة الرفاعي على أساس واحد فقط وهو فهمها - أي الحكومة - الخاطىء للولاية العامة التي أصبحت بهذه الحالة سيفا مصلتا على رقاب الناس، كما ورد في البيان الأخير لحزب الجبهة الأردنية الموحدة الوسطي.