سعيد حمدان

قد تكون المرة الوحيدة التي ذكر فيها الكاتب جلال أمين أبوظبي في مذكراته (ماذا علمتني الحياة؟) عندما كتب عنها التالي ldquo; . . وفي أبوظبي لم أقابل من أهل البلد من لمست فيه حماساً للعروبة . ولكن هذين البلدين (الكويت وأبوظبي) كانا هما الاستثناء، وكانت كل زيارة لي لأي بلد عربي آخر تدعّم شعوري بالانتماء العربي وتقويه . .rdquo;، ولم يقل لنا الأستاذ الدكتور جلال في كتابه الضخم متى جاء إلى أبوظبي، ولماذا جاء؟ رغم أنه في أوراق سيرته، سرد أدق التفاصيل عن سنوات عمره في كل بقعة زارها أو استقر بها .

يعني أن كل الأقطار العربية التي زارها في المشرق والمغرب العربيين أشعرته بالقومية والعروبة، وحدها بعض دول الخليج العربي التي زارها كان فيها هذا (الحس) مفقوداً!

لو كان الكاتب منصفاً محايداً في تعبيره، لقال لنا: إن أهم وأشهر مجلة عربية صدرت خلال المرحلة التي كان يتحدث عنها أو قبلها كانت تصدر من الكويت التي عاش فيها، واسمها مجلة (العربي)، وأشهر تحقيق فيها كان عنوانه (اعرف وطنك أيها العربي)، وأن طلبة الكويت الذين ذهبوا للدراسة في لبنان وسوريا وبغداد ومصر، كانوا من النواة التي أسست (حزب البعث العربي الاشتراكي) الذي ينتمي إليه الكاتب، وعادوا إلى كويتهم بأفكاره ليؤسسوا خلايا له في دولتهم، كما يذكر الدكتور أحمد الخطيب في مذكراته (الكويت من الإمارة إلى الدولة) .

وأن المد العروبي، وثورة عبد الناصر ووجع فلسطين المحتلة، وأفكار القومية والوحدة وصلت مبكراً إلى هذه الأرض وشغلت الحاكم والمواطن رغم متاعب العيش وظروف الحياة القاسية التي كانوا يعيشونها هنا، كما يصف ذلك الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي في كتابه (سرد الذات) .

لو أنصف الأكاديمي الدكتور جلال أمين، لقال لنا أن جامعة الدول العربية آنذاك، كان لها من السلبية وعدم الاهتمام والدعم، وبطء التحرك نحو منطقة الخليج التي كانت تعيش ويلات الجهل والفقر وسيطرة المستعمر الانجليزي ما جعل هذه المنطقة تنتظر طويلاً وتتأخر كثيراً، وأن حكوماتها دفعت ثمناً غالياً عندما اختارت العروبة على مظلة بريطانيا .

يا أستاذنا جلال، إننا من أجل العروبة والقومية، غيبنا ملامحنا وتقاليدنا وأسماء رموزنا الشخصية والمكانية، فسمينا شارع الكرامة بدل المرة مرتين في أبوظبي كما أشار ناصر الظاهري يوماً في (عموده الثامن) . هذه أبوظبي التي لم تشعرك بالعروبة . لو جئت هنا كنت ستمر على ميدان عبد الناصر، وشارع الاسكندرية ونواكشوط وبقية المدن والعواصم العربية ودوار التعاون ونادي العروبة وساحة ميسلون، وقاعة الخرطوم ومدرسة القدس العربي، وتقاطع المرابع العربية، أسماء تتكرر في العاصمة وفي دبي والشارقة وحتى في قرى دولة الإمارات البعيدة والمتناثرة في كل الوطن .

العروبة والقومية والوحدة تتجسد في أسماء مساكننا وشوارعنا، أيضاً في مناهجنا الدراسية وفي أساتذتنا العرب الذين كانوا وما يزالون وسيوجدون دائما في مدارس وجامعات الإمارات . في مزيج الجنسيات العربية العاملة في القطاعين الحكومي والخاص، في المحلات والمطاعم العربية .

في إعلامنا وصحافتنا - يا أستاذ جلال فمنذ أربعين سنة وإلى اليوم ما يزال (المانشيت) كل صباح، والخبر الأول في التلفزيون هو عن فلسطين، والقضايا العربية .

ستجد في تاريخ العمل الاجتماعي والثقافي هنا، مسيرات وجمعيات ولجاناً شكلّت في أزمات الأمة ومحنها، لجنة للمقاطعة، ولجنة لنصرة الجنوب، لجنة للقدس، ولجنة لأطفال فلسطين، ومسيرات ضد التطبيع، ومن أجل رفع الحصار .

ولا أريد ان أذكرك أن شعار (البترول العربي ليس أغلى من الدم العربي) الذي أطلقه وطبقه ورفعه في وجه العالم كله هو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان- طيب الله ثراه .

ولأنك أستاذ اقتصاد، فأنت خير العارفين بحجم المساعدات والمنح والقروض التي قدمتها أبوظبي والإمارات والكويت ودول الخليج للحكومات والمشاريع العربية، طوال هذه العقود وما تزال، ليس منّة، ولكنه التزام وواجب عروبي صادر عن قناعة هذه الحكومات وهذه المجتمعات التي لم تشعرك بحماسها للعروبة .

يا أستاذي العزيز - كيف مررت عن كل هذا؟ هل أنت متأكد من أنك زرت أبوظبي، وأنك عشت في الكويت؟!