عادل درويش


انتقال سلطة الأمن القتالي laquo;في الخط الأماميraquo; من الأميركيين إلى العراقيين علامة تاريخية على طريق صعب مليء رصفته التضحيات.

حرب الإطاحة بدكتاتورية البعث وزعيمها صدام حسين تظل تثير الجدل بين قطبين لا يلتقيان.

جمعية المنتفعين بأنظمة شمولية دكتاتورية مصيرها الحتمي مزبلة التاريخ، لن تسكت أبدا عن ترويج كذبة تسمية تخليص العراقيين من طغيان صدام laquo;بمؤامرة لصالح الصهيونية وإسرائيلraquo; (رغم أن صدام لم يخض حربا ضد إسرائيل، بل ضد جيران مسلمين كإيران والكويت، وضد أبناء أمته العراقية: عرب الجنوب وأكراد الشمال المسلمين). ولجمعية المنتفعين شركاء. فالكذبة نفسها يروجها لصوص رايات الإسلام الذين يروون الديمقراطية بنظرة الكونت دراكولا إلى شروق الشمس. الجماعتان ستحشوان أدمغة التلاميذ في مدارس أنظمة تفضل دعم صدام في عدوانه وبطشه على تطبيع العلاقات مع شعب العراق؛ بأن التغيير في صالح الاستعمار.

أنصار العراق الجديد هم العراقيون أنفسهم، وكل من يؤمن بأن العراقيين خصوصا والمسلمين عموما ليسوا أقل جدارة أو قدرة ذهنية من بقية البشر على ممارسة الديمقراطية بمستوى وعي وقدرة بقية شعوب الدنيا.

نجح الأكراد في امتحان الديمقراطية عندما حال طيران الحلفاء بينهم وبين بطش صدام لعشر سنوات.

والعراقيون مارسوا الحكم البرلماني التعددي كأمة واعية ناضجة لـ35 عاما أثناء العهد الملكي حتى قضى انقلاب عام 1958، وما تلاه من انقلابات على الديمقراطية؛ وجرد العسكر ثلاثة أجيال عراقية من ذكريات الديمقراطية ومفاصلها، كالأحزاب المتعددة، ومؤسسات المجتمع المدني، والصحافة المستقلة، والاتحادات العمالية والمهنية، والمؤسسات الأكاديمية المستقلة على سبيل المثال لا الحصر.

فعند سقوط صدام لم يكن العراقيون دون سن الـ70 يعرفون شيئا عن استقلال البحوث العلمية ومؤسسات المجتمع المدني والانتخابات الحرة؛ إذ شبوا على دكتاتورية الحزب الواحد الحاكم وعضويته بمثابة أوكسجين ممارسة أي نشاط.

وسيعتبر أغلبية العراقيين انتقال سلطات الأمن إلى قواتهم قفزة جديدة على مسيرة تطبيع الحياتين السياسية والمدنية.

جمعية المنتفعين وشركاؤها، سيقللون من شأن الإنجاز الكبير للعراق بحجة أن الأميركيين باقون.

وهي حجة لتصعيد الإرهابيين لهجماتهم (لا يهاجمون ثكنات الأميركيين وإنما يضعون القنابل في الأسواق والشوارع وسط النساء والأطفال العراقيين) في محاولة لزعزعة ثقة الحكومة العراقية بنفسها، ولدفعها للتسرع باتخاذ قرارات غير حكيمة.

ومن منطلق الحرص على مصلحة العراقيين نرجو ألا تدفع هجمات الإرهابيين الحكومة العراقية إلى الذعر والارتباك، بل عليها تجاهل بروباغندا جمعية المنتفعين وشركائها ولتركز أولا على إعادة البناء وتوفير حاجات الشعب والأمن والإصلاحات الدستورية.

ومن المتوقع أن تشن منابر إعلام معسكر المنتفعين من صحف وفضائيات تدعمها الدكتاتوريات الإقليمية حملة شعواء على حكومة العراق، وسيظهر تلاميذ صدام والبعثيين في الفضائيات يوجهون انتقادات استفزازية للحكومة التي انتخبها العراقيون. وعلى بغداد تجاهل الحملة والتركيز على الإصلاحات وإعادة البناء وتشغيل إنتاجية قطاع البترول. فجمعية المنتفعين وأعداء الديمقراطية يريدون دفع العراقيين إلى التسرع بطلب سحب القوات الأميركية الباقية في ثكناتها من أجل تدريب الجنود العراقيين، وكدرع احتياطية يستدعيها الأمن العراقي وقت الخطر؛ فحذار من وقوع بغداد في هذا الفخ.

الجيش العراقي الذي حقق إنجازات كبيرة بإعادة بناء نفسه كجيش محترف وليس مجرد مجندين، الكثير منهم أمي بلا تعليم أو خبرة، لم يختبر كلية في إنجازه لمهام أمنية صعبة دون معاونة من قوات التحالف وغطائها الجوي. واستمرار وجود الأميركيين بإمكانياتهم العسكرية المتفوقة في الثكنات الاحتياطية يخلق حالة نفسية من الاطمئنان ويرفع الروح المعنوية للجيش. وحتى إذا تمكن الجيش وقوات الأمن من إعادة الهدوء إلى شوارع بغداد والمدن الكبرى، فإن فرصة الجيش في حماية العراق من تهديد خارجي من بلد مجاور أو غير مجاور، تكاد تكون صفرا.

النظام الشمولي الإيراني المعادي لنموذج الديمقراطية التعددية، لا يخفي أطماعه التي يسميها laquo;مصالح إقليميةraquo; في العراق؛ والنظام يسعى لإنتاج سلاح نووي للهيمنة على المنطقة، والحذر من خطر هذا النظام هو واجب استراتيجي يجب على بغداد وضعه في الاعتبار.

ولا يزال أمام سلاح الطيران العراقي مراحل، ربما سنوات طويلة لإعادة بنائه. ولا يمكن خوض حرب نظامية ضد غزو خارجي، أو مواجهة لعصابات إرهابية، كـlaquo;القاعدةraquo;، في مناطق نائية أو جبلية بلا سلاح طيران فعال من مقاتلات اعتراضية وأخرى قاذقة مقاتلة، وثالثة مجهزة للطيران الليلي والمناورات الضيقة (كالسكاي هوك A4 مثلا) ناهيك عن طائرات الهليكوبتر اللازمة لنقل المشاة بسرعة لحماية جانبي الجيش ساعة اختراق العدو للدفاعات خاصة مع طول الحدود العراقية ومعظمها في الصحراء.

كما لا يمكن تتبع عصابة laquo;القاعدةraquo; وغيرها من المجموعات الإرهابية بنجاح إلا باستخدام طائرات الهليكوبتر.

وحتى الآن لم يجر الجيش العراقي الجديد أي مناورات بالذخيرة الحية استعدادا لمواجهة خطر خارجي نظامي أو بتسلل وتدفق راديكاليين عبر الحدود وكيفية احتوائهم.

كل هذه الاعتبارات تستدعي استمرار وجود القوات الأميركية في حالة تمكنها من سرعة التحرك إذا طلب العراقيون مساعدتها في مواجهة تهديد يتطلب مقاتلات اعتراضية وطائرات هليكوبتر.

يجب ألا تخضع الحكومة العراقية لاستفزازات الفضائيات وابتزاز الدكتاتوريات وتطلب من الأميركيين الانسحاب قبل استعداد الجيش العراقي كاملا لمواجهة كل الاحتمالات.

ومن الأفضل توقيع معاهدات دفاع مشترك مع حلف شمال الأطلسي والأصدقاء التاريخيين كبريطانيا.

أما الإصلاحات الدستورية، وأهمها تعديل النظام الانتخابي، فلا تقل أهمية عن معاهدات الدفاع المشترك بالنسبة للأمن الاستراتيجي للعراق. فتجربة الشهور الماضية أثبتت ضرورة تعديل قانون الانتخابات من التمثيل النسبي (القوائم) إلى التمثيل المطلق، أي نظام الدوائر والمرشح الحاصل على أكبر عدد من الأصوات يمثل الدائرة في البرلمان.

فنظام القوائم يعني استحالة حصول قائمة واحدة على الأغلبية، واستمرار وجود حكومة انتقالية لأشهر طويلة يعني الفراغ السياسي كتربة خصبة لنمو المؤامرات (في هذه المرحلة الحرجة فالتجربة الديمقراطية لا تزال في طور الطفولة)، ويحرم الاقتصاد من الاستثمارات التي تفضل الاستقرار على المجازفة.

ومن المستحسن، لمزيد من الاستقرار الاتفاق على عضوية مجلس أعلى (كمجلس الشيوخ أو اللوردات) نصفه منتخب على مستوى المحافظات (مقعد عن كل محافظة) ونصفه من الأعيان وشيوخ القبائل وكبار القضاة وذوي الخبرة المتقاعدين، باختصار مجلس حكماء الأمة العراقية ليكون صمام أمن ضد أخطار تجاوزات الساسة من أجل الصوت الانتخابي، بوضع مجلس الشيوخ المصلحة العامة فوق المصلحة الحزبية. ورغم انتقادات معسكر المنتفعين وشركائهم، فيجب تهنئة العراقيين على انتهاء مرحلة، وبداية مرحلة جديدة نتمنى لهم فيها التوفيق والازدهار.