الحسين الزاوي

رغم أن المشهد العراقي الحالي بكل زخمه وتعقيداته الداخلية، بات يشكل بؤرة اهتمام كل المتابعين السياسيين للقضايا الإقليمية في الشرق الأوسط، إلا أن القليل فقط منهم من يُكلّف نفسه عناء الالتفات إلى شريحة مهمة من أبناء الشعب العراقي المُشرد على طول الحدود الجغرافية لأغلب دول الجوار، التي يواجه بعضها مثل سوريا والأردن صعوبات بالغة من أجل استيعاب تلك الأعداد الهائلة من اللاجئين العراقيين، الذين يزداد عددهم كلما تضاعف مسلسل الدم والدموع في بلاد الرافدين . فقد خصصت كل وسائل الإعلام الغربية وحتى العربية منها، حيزاً واسعاً من حصصها وبرامجها الإخبارية، للتعليق على حدث انسحاب القوات الأمريكية المقاتلة في العراق، رغم أنه انسحاب جزئي لن يؤثر في المدى المنظور في الوضع الداخلي للعراق بالنظر إلى بقاء أكثر من 50 ألفاً من الجنود الأمريكيين بكامل أسلحتهم وعتادهم . كما أن الأعداد التي تم سحبها كانت تؤدي منذ شهور طويلة نفس المهام الموكلة حالياً للقوات الأمريكية المتبقية، وفضلاً عن ذلك فليس هناك ما يمنع هذه القوات من التدخل بشكل مباشر في القتال، في صورة ما إذا تطورت الأوضاع الأمنية والسياسية، في اتجاه مسارات ترى الولايات المتحدة أنها ستهدد مصالحها في العراق أو حتى مصالح حلفائها في المنطقة .

والغريب أن الطبقة السياسية العراقية الغارقة حتى أخمص قدميها في جزئيات وتفاصيل تشكيل الحكومة وتوزيع المناصب الوزارية، لا تلتفت إلا في ما ندر إلى أوضاع أكثر من مليوني لاجئ عراقي، يعانون من محنة الغربة وشظف العيش وبلادهم تحوي في باطنها واحداً من أضخم احتياطات البترول والغاز في العالم . احتياطي من النفط لم نعد ندري، طيلة سبع سنوات من الاحتلال، كيف يتم استثمار عائداته المادية ولا حتى أسباب تواضع مخصصاته الموجهة لدعم مشاريع التنمية، رغم التصريحات السابقة للقادة العراقيين، التي أكدت عزم بغداد على مضاعفة حصة إنتاجها منه من أجل مواجهة تبعات حالة الخراب والتدمير التي لحقت بالعراق جراء الغزو الأنجلو-أمريكي .

ولا يبدو أن زعماء الكتل البرلمانية يحملون في جعبتهم، على الأقل في المرحلة الراهنة، خطة جاهزة وواضحة المعالم من أجل توفير الإمكانات الضرورية التي تسمح بإعادة إدماج اللاجئين داخل النسيج الاجتماعي والاقتصادي للعراق، خاصة وأن عددهم يتجاوز حجم سكان قسم كبير من الدول المستقلة والفاعلة على مستوى الساحتين الإقليمية والدولية . ذلك أن غياب دولة مركزية قوية في بغداد يرهن كل المشاريع الطموحة، الهادفة إلى التصدي إلى مثل هذه الملفات ذات الطابع الاستعجالي ويحول دون تجسيدها على أرض الواقع .

إن مشكلة اللاجئين تتجاوز من منظور الأغلبية الساحقة من الشعب العراقي، مجرد عملية إغاثة بسيطة من أجل التكفل بالحاجيات الأولية المعيشية والإنسانية للأفراد الذين هجروا بلادهم كرهاً أو طواعية، نتيجة لوضعية استثنائية ومأساوية أفرزها الاحتلال الأمريكي للعراق . وبالتالي فإن الاحتلال الأمريكي عليه أن يتحمل القسط الأكبر من المسؤولية من أجل التكفل بإعادة إدماج اللاجئين العراقيين، وتعويضهم عن الأضرار المادية والمعنوية التي لحقت بهم جراء استباحة الجيش الأمريكي لمدنهم وقراهم الآمنة .لذلك فإن إعادة بناء العلاقات الأمريكية - العراقية وخاصة بعد إتمام الانسحاب الكلي والتام للقوات الغازية، يجب أن يتم على قاعدة الندية التي تقتضي العمل على محاسبة الجيش الأمريكي على ما اقترفه من فظائع ضد الشعب العراقي، ويمثل اللاجئون العراقيون الورقة الأساسية التي يمكن لكل المنظمات الدولية دعمها وإثرائها ومن ثمة توثيقها من أجل تمكين الحكومة في بغداد من مطالبة واشنطن بتحمل كل التبعات القانونية التي يفرضها الوضع الحالي للاجئين . لأن أوضاع هذه الشريحة الواسعة من العراقيين لا يمكن الاختلاف بشأنها، ولا يمكن إعفاء الأمريكيين من المسؤولية عنها، وإلصاقها بإفرازات الصراع الطائفي . فهذا العدد الهائل من الشعب العراقي اضطر إلى مغادرة وطنه بعد الغزو الأمريكي الذي دمر مؤسسات الدولة العراقية وخلق وضعية غير مسبوقة من اللا استقرار وانعدام الأمن، خاصة بعد قيام بول بريمر بحلّ الجيش العراقي، وما أعقب تلك الخطوة من قرارات متسرعة أفضت إلى إعادة بناء بعض الأجهزة الأمنية على أسس طائفية، وهي الوضعية التي لم تفلح القيادة العراقية الحالية من تجاوزها، بالرغم من الإصلاحات الكثيرة التي حاولت أن تدخلها على تلك الأجهزة من أجل تحسين أدائها ودفع تهمة الانتماء الطائفي عن المنتسبين إليها .

ويمكن القول عطفاً على ما سبق أن النخب السياسية العراقية، لا يمكنها أن تتحدث للعالم عن تحقيق نجاحات سياسية وهمية في ظل الاحتلال، في الوقت الذي لا يزال يعاني فيه قطاع كبير من الشعب العراقي من الفقر والفاقة والتشرد والغربة، إذ لا يجوز التباهي بتحقيق ldquo;إنجازاتrdquo; ديمقراطية تفتقد حتى الآن إلى التوافق والإجماع، في الوقت الذي يتم التعامل فيه مع أوضاع اللاجئين وكأنهم ليسوا أكثر من مجرد رقم منسي مسجل لدى منظمات الإغاثة الدولية . فملف اللاجئين يستحق من العراق شعباً وقيادةً، أن يُعالج بالجدية المطلوبة ووفقاً لجدول زمني محدد يفضي انطلاقاً من مخطط واضح ومدروس إلى التكفل التام بكل اللاجئين، من خلال إعادتهم إلى مدنهم وقراهم التي هجَّروا منها، مع مطالبة المحتل الأمريكي بتقديم كل التعويضات المناسبة التي تسمح لكل عائلة عراقية لاجئة من العيش بكل كرامة في كنف الأمن والاستقرار .