حلمي شعراوي


لم يعد هناك جديد حول اضطراب الموقف في الصومال وحاجته إلى التدخل العربي، وقد كنا لفترة طويلة نركن إلى مسؤولية القوى الحية والمتقاتلة في الصومال، بمعنى أنه كانت هناك كتل العشائر( هوية -داروط-اسحاق...) ممن يبحثون عن مواقع القيادة والحكم. كما كانت هناك كتلة التجار وأصحاب المصالح، ممن يمولون الحياة اليومية والعسكرية على السواء، أملًا في تحقيق أوضاع أو استقرار لصالحهم ضد العسكريين القدامى. وكانت هناك أيضاً تكتلات الحركة الإسلامية التي بدت مسيسة تطلب تطبيق الشريعة بشكل معين حتى استطاع بعضها توصيل quot;الشيخ شريفquot; إلى الرئاسة بعد نجاح سابق في عقد ما يشبه البرلمان في نيروبي مرة وفي جيبوتي مرة أخرى، وكان quot;الاتحاد الإسلاميquot;، وحتى انشقاقاته، أو جماعات المحاكم الشرعية يقودون هذه العملية لفترة كمعركة سياسية واجتماعية بين هذه القوى المسيسة.

وفي كل هذه الحالات كانت ثمة دعوات للتدخل بشكل يعبر عن فهم الصراعات المحلية هذه، وذلك من قبل الاتحاد الأفريقي مرة، أومن الجامعة العربية مرة أخرى، بما بدا مبشراً أحياناً بالوصول جماعياً لحل الأزمة في الصومال. وفي كل مرة كانت ثمة أطراف صومالية ترفض الحلول الجماعية وتلجأ للعنف، أو الاتفاق مع أطراف إقليمية مختلفة سواء كانت جيبوتى أوأسمرة. هنا يجب أن نتوقف قليلاً لنضع سؤالاً مثيراً للجدل: لماذا لم تنجح الحلول القادمة من جيبوتي أو أسمرة، كحلول أخوية قابلة للاستمرار بسبب الروح التي بدت مرضية نسبياً من طرف أوآخر، بينما يجري تنفيذ حلول التدخل العسكري القادم من نيروبى أوquot;الايجادquot; أو أديس أبابا؟ لكن يظل السؤال الأخطر، ما الذي نقل الصراع من آفاقه السابقة إلى تحكيم السلاح والقوة باسم الشباب الإسلامي في عمليات نوعية تحصد بالمئات وبسلاح متقدم إلى حد كبير؟

إن ذلك لابد أن يشير إلى رغبة أطراف دولية ذات ارتباط قوي بأوغندا أو أديس أبابا، وتريد السيطرة على الصومال بشكل خاص وفق مصالح معينة غير قابلة للمناقشة ولا للحلول المحلية. وفي هذا الإطار قررت منظمة quot;الايجادquot; التدخل بالقوة المسلحة بل ونقلت قرارها بسهولة ملفتة إلى قمم الاتحاد الأفريقي ليدفع بها إلى مجال الشرعية، وفي الإطار نفسه زحفت إثيوبيا بقواتها إلى الصومال لأكثر من عامين. وعندما أحست أنها تغرق في المستنقع الصومالي انسحبت من دون أي حرج أواخر عام 2009، ثم عادت لتطرح نفسها الآن بعد أن استعادت أنفاسها على ما يبدو أو وفق وعود جديدة من هنا وهنالك.

ولأن الاتحاد الأفريقي القائم على زعم الدفعة الجديدة للوحدة الأفريقية، فإن أكثر بنوده تعبيراً عن هذه الوحدة هو بند التدخل في أي دولة يسودها الاضطراب ولو داخلياً، وليس لمجرد مقاومة عدوان خارجي.

وانطلاقاً من هذه الروح رغم عدم المطالبة بتطبيقها، دخلت إثيوبيا الصومال ثم خرجت، واندفعت أوغندا وبوروندي لإرسال قواتها التي تبلغ حوالي 5000جندي بل وفكروا في تدخل سيراليون أيضاً. ولا أدري لماذا لا تفعل ذلك إذن جامعة الدول العربية؟

لابد إذن أن نتصور أن قوى خارجية محددة هي صاحبة الرؤية السائدة الآن حول استعمال القوة المباشرة في معالجة الأوضاع في الصومال، وتحويله إلى ساحة شبه دولية في إطار عولمة مناطق الصراع حتى لا تؤاخذ العناصر المسؤولة فعلياً (شركاء محليين أو إقليميين بالأساس). ولو تأملنا ماجرى من عولمة القرصنة الصومالية في المحيط الهندي والبحر الأحمر، لرأينا كيف تم تدويل المسألة وتطويرها من هجوم عناصر بسيطة على مركب راسٍ أمام مقديشو إلى عمليات تقنية عالية في وسط المحيط يسيطر عليها بعض القرويين الصوماليين! وقد استقرت الآن عملية تدويل شواطئ الصومال ومياه المحيط دون أن يراجع أحد تلك الأوضاع .كما لا يعقل تصور أن يقوم بكل ذلك بعض شباب المجاهدين باعتبارهم من عناصر الإرهاب الدولي.

والآن وبعد تصاعد عمليات المقاومة الصومالية، التي وصلت إلى قصر الرئاسة بعد زحفها من شمال ووسط الصومال، رحنا نسمع أخبار عودة القوات الإثيوبية للتدخل بجيش لا تذكر أي أرقام عنه. أما رئيس الأركان الأوغندي، فقد أعلن هذا الأسبوع عن إعداده لعشرة آلاف جندي من الاحتياطي الأوغندي للسيطرة على الموقف في الصومال، لو أن الولايات المتحدة الأميركية أبدت استعدادها لتمويل هذه العملية. وفي نفس الوقت صرح المبعوث الأميركي لأفريقيا quot;جونى كارسونquot; الذي كان يزور أوغندا (وياللصدف!) لتدعيم العلاقات مع أوغندا، ودراسة زيادة مخصصات قوات بعثة الاتحاد الأفريقي العسكرية بالصومال (أميسوم). وكأنه هو مسؤول الاتحاد الأفريقي في المسائل العسكرية!

إذن فقد أصبحت المسألة الصومالية quot;دولية quot;بالضرورة بمعنى أن تخص عدداً معيناً من الدول، وقد تمر مع تدويلها هذا بنفس المراحل التي مر بها العراق حتى انفردت به الولايات المتحدة تماماً، وهنا يفتقد الإقليم نعمة quot;التدويلquot; نفسها ليعود بقوة إلى الصراع الداخليquot; محمياًquot; بقوى التدخل، وهذا هو البديل في فلسفة العولمة.

ولقد ظل مثيراً للدهشة موقف quot;المجموعة العربية quot;، حيث يصعب مطالبة الجامعة العربية بأي مسؤولية عملية الآن، إلا في متابعة الوفاق مع دول الجوار!

وأكثر ما أطالب به أن تعتبر الجامعة المسألة الصومالية، قضية عربية- أفريقية تحتاج التفاهم مع دول جوار قوية الآن من بينها إثيوبيا. ولا يُعقل أن تظل الجامعة العربية صامتة بهذا الشكل أمام عمليات قتل جماعي نوعية وفنية مثلما يجري في الصومال الآن. وسوف نعرف قريباً أن التدخلات الحالية إنما تحمي مصالح كبيرة في بترول ومعادن الصومال. إن عولمة قضية الصومال لا تفتحه على العالم بمسؤولياته عن quot;العولمة ذات الوجه الإنسانيquot;، وإنما تغلقه على مصالح إقليمية ومحلية صغيرة تبدأ من أديس أبابا ونيروبي وأوغندا وتنتهي بجماعات شابة أعتقد أن سلاحهم الأقوى هو الرفض الصومالي المعروف للوجود الأجنبي بأشكاله.

على المجموعة العربية والجامعة العربية أن تعرف أن قوة إثيوبيا وكينيا وأوغندا المطلقة في الصومال، وتدعيمها quot;دولياًquot; من قبل أطراف نعرفها، إنما تستهدف أيضاً الاستعداد لاحتواء جنوب السودان عندما يصبح دولة هشة، أوالإحاطة بالسودان عموماً حتى لو لم ينفصل الجنوب، وهذا الاحتواء له معنى كبير بالنسبة للمصالح العربية في هذه المنطقة، بعضها يتعلق بالتنمية المشتركة مع السودان لصالح السوق العربية كلها، وبعضها خطير مثل ما يدور حول المياه ومشاكل حوض النيل، بل ويمتد بعضها إلى دول شريكة في البحر الأحمر وقوى خطرة من حوله (اسرائيل ndash; المحيط الهندي)، إذن فإن تدويل بعض القضايا في المنطقة يمر عبر قواعد العولمة، لكنه يمر أكثر مع صمت بعض أطراف القضية من العرب بوجه خاص