أمير طاهري
laquo;هذا يذكرني بمصر أيام حكم عبد الناصرraquo;.. هكذا علق صديقي في اليوم التالي عندما شاهدنا لقطات تلفزيونية للحشود في طهران وهم يهتفون بالشعارات المعتادة.
الحشود دائما يشبه بعضها البعض، لكن الأفراد المشاركين هم المختلفون. لكن في هذه الحالة خاصة، فإن التشابه تجاوز الحشود، ومثلما فعلت مصر في ستينات القرن الماضي، فإن الجمهورية الإسلامية على ما يبدو مصممة على إشعال حرب ليست مستعدة لها.
ويعتقد بعض المعلقين أن تصريحات الرئيس محمود أحمدي نجاد العلنية لا تعكس موقف الجمهورية الإسلامية الحقيقي. وقبل كل شيء، فهم يرون أن نجاد لاعب واحد من بين كثيرين في طهران. ومع ذلك، فإن كون أحمدي نجاد يتحدث عن laquo;القادة الحقيقيينraquo; للنظام الخميني أم لا فهذا أمر غير مهم. ليس هناك شك في أن تصريحات وسلوك الرئيس أسهما في رفع حدة التوتر في المنطقة وزيادة خطر نشوب حرب.
وإذا حكمنا من خلال تصريحاته العلنية، فإن أحمدي نجاد يبدو كأنه يعتقد أن دولتين فقط هما اللتان ربما يقومان بعمل عسكري ضد الجمهورية الإسلامية، وهما إسرائيل والولايات المتحدة.
ويعتقد كذلك أن أيا من هاتين الدولتين لن تقدم على مثل هذا الإجراء خوفا من الهزيمة. وقد قال أحمدي نجاد في الدوحة في اليوم التالي، بينما كان أمير قطر يبتسم laquo;إذا أقدمت إسرائيل على مهاجمتنا، فسوف تمحى من على الخريطةraquo;.
أما بالنسبة للولايات المتحدة، فيزعم أحمدي نجاد أن الصدام العسكري مع الجمهورية الإسلامية سيعني laquo;نهاية الهيمنة الأميركية على العالمraquo;.
وفي تصريحه الذي ألقاه من قطر، كشف أحمدي نجاد عن أن تحليله لهذا الموقف يستند إلى افتراضين..
الأول: هو أن إسرائيل laquo;خسرتraquo; الحروب الصغيرة ضد حزب الله في لبنان وحماس في غزة. وإذا كانت فشلت في تحقيق النصر على هؤلاء الخصوم الضعفاء، فكيف لها أن تنتصر علينا؟
والثاني: هو أن أحمدي نجاد يعتقد أن الولايات المتحدة غير قادرة على خوض laquo;حرب حقيقيةraquo;. وقد صرح في قطر قائلا laquo;إن الأميركيين لم يخوضوا حربا حقيقيةraquo;.
في كوريا وفيتنام، كان الأميركيون يقتلون السكان المدنيين، وفي أفغانستان والعراق، لم تواجه الولايات المتحدة laquo;جيشا حقيقياraquo; بل كانوا فقط يسيرون في بلاد فارغة.
ومن المدهش التشابه بين تحليل أحمدي نجاد وتحليلات عبد الناصر وصدام حسين في لحظات صدق كل منهم.
وقد حكى رئيس الوزراء الروسي السابق يفجيني بريماكوف، في مذكراته، كيف أن الرئيس المصري عبد الناصر أكد له، عشية حرب الأيام الستة في عام 1967، أن إسرائيل لن تجرؤ على مهاجمة مصر، وأنهم إن فعلوا ذلك فإن الدولة اليهودية سيتم laquo;محوها من على الخريطةraquo;.
وقدر لبريماكوف أيضا، بعد ما يقرب من أربعة عقود، فرصة الاستماع إلى التحليل نفسه من حاكم عربي مستبد آخر هو صدام حسين.
وكان الطاغية العراقي أيضا laquo;واثقا تماماraquo; من أن الأميركيين ليست لديهم الشجاعة الكافية لخوض laquo;حرب حقيقيةraquo; ولن ينزلوا من طائراتهم laquo;للقتال مثل الرجالraquo;.
وقبل ثماني عشرة ساعة فقط من دخول أول فوج من الدبابات الأميركية بغداد، بث التلفزيون العراقي مشاهد لصدام حسين وهو يقول لحشود التفت حوله إنه لن يجرؤ جندي أميركي واحد على دخول العاصمة العراقية.
وقد يكون موقف أحمدي نجاد مثالا آخر على سذاجته أو ادعائه العلني أن الإمام الغائب، وهو شخص يفترض أن يأتي في آخر الزمان، سيتدخل في المعركة للقضاء على أعدائه.
بيد أن الإيرانيين لديهم كل الأسباب للقلق حول تحليل وحكم الرئيس، فهو ينتهك الكثير من قواعد القيادة في وقت الأزمات.
وجميع المفكرين المهتمين بشؤون الحرب، من صن تزو الصيني وميكافيللي الإيطالي وجوميني الفرنسي وكلاوزفيتز الألماني، أكدوا أن أفضل قائد للحرب هو الذي يحقق أهدافه من دون الذهاب إلى الحرب.
والتفاؤل الصبياني لأحمدي نجاد ضد القاعدة الأولى للقيادة التي تدعو إلى الأمل في الأفضل مع الاستعداد للأسوأ.
هو أيضا ينتهك مبدأ الحذر الذي يهدف إلى تجنب المقامرة بمستقبل بلد بأكمله. والحذر يملي علينا أن نفترض أن خصما معينا قد يقوم بالفعل بمهاجمتنا، وإذا ما حدث ذلك، لا يمكننا استبعاد احتمال الهزيمة. أولئك الذين يلعبون الروليت الروسي يفترضون أن الرصاصة الوحيدة في البندقية قد تنطلق عند الضغط على الزناد إلى رأسهم.
حتى لو كان أحمدي نجاد على الحق وأن الحرب مع إسرائيل و/أو الولايات المتحدة، ستؤدي إلى فنائهما، فإن الحكمة تقتضي أن نفترض أن إيران ستتضرر من هذه الحرب. وواجب القائد الجيد هو منع وقوع ضرر ببلده أو شعبه.
والمطلعون على وضع الدفاعات الإيرانية، أو على قلة دفاعاتها، يدركون أن البلد ليس بأي شكل من الأشكال مستعدا لحرب كبرى. وقبل عامين تقريبا، حذر الجنرال رحيم صفوي، الذي كان قائد الحرس الثوري، ضد التقديرات المضللة لقدرات البلاد العسكرية. وفي العام الماضي، كشفت مجموعة من جنرالات الجيش النظامي، الذي يجب على المرء أن يفترض فيه أنه سيهزم إسرائيل والولايات المتحدة في أراضي أحمدي نجاد الخيالية، أوجه القصور في الجيش في سلسلة من التصريحات العلنية.
وكان الراحل روح الله الخميني، رجل الدين الذي أسس الجمهورية الإسلامية، غير قادر أيضا على السيطرة على خطابه، وقدمت سياساته الاستفزازية ذريعة لصدام حسين ليهاجم إيران في عام 1980 مما أشعل حربا استمرت ثماني سنوات وأودت بحياة أكثر من مليون قتيل.
وبعد ثلاثة عقود، لم تستطع إيران إصلاح الأضرار التي لحقت بها جراء تلك الحرب، فما يقرب من نصف النازحين بسبب هذه الحرب لم يعودوا بعد إلى مدنهم وقراهم الأصلية. وما يزال خرمشهر، الذي كان واحدا من أكبر موانئ إيران، ذكرى أليمة لماضيه، ومصفاة عبادان، التي كانت أكبر مصفاة في العالم عشية الحرب، تعمل بخمس طاقتها الأصلية، مما اضطر إيران لاستيراد 40% من احتياجاتها من البنزين. والتقديرات الرسمية الإيرانية لحجم الضرر الذي سينجم عن تلك الحرب أكثر من تريليون دولار أو ما يعادل قيمة الناتج المحلي الإجمالي لإيران لخمس سنوات. كما أن الدولة لن تكون قادرة على توفير الدعم لما يقرب من 2.3 مليون معاق من جراء تلك الحرب.
وإذا أضفت إلى ذلك الخسائر البشرية والاقتصادية للحروب التي شنها نظام الخميني ضد المعارضين السياسيين والأقليات العرقية، فسيصبح من الواضح أن إيران لديها ما يكفي من الحروب لفترة طويلة قادمة.
وبدلا من اللعب بفكرة الحرب، كما يفعل مراهق بصندوق ألعابه، ينبغي على أحمدي نجاد أن يوضح لنا ما هو الهدف الوطني الذي يبرر أخذ البلاد إلى حافة الهاوية.
إن التظاهر بالشجاعة ليس بديلا عن العمل في إطار استراتيجية وطنية.
التعليقات