بدرية البشر


أكدت صحيفة laquo;نيويورك تايمزraquo; أن وسائل الإعلام هي السبب وراء إعطاء قصة القس جونز صاحب حماقة حرق القرآن كل هذه الأهمية، وقد وصف هذا الفعل بالمتهور. وتقول رئيسة التحرير التنفيذية في وكالة laquo;اسوشيتد برسraquo; laquo;قبل أن تقوم أعمال شغب ويتحدث رؤساء دول عن هذا الأمر، كان يمكن أن يحتل هذا الموضوع فقرتين فقط في خبر عن إحياء ذكرى هجمات 11 ايلول (سبتمبر)، لكن الأمر أصبح أبعد من ذلك الآنraquo;. ولهذا حظي القس جونز بـ١٥٠ مقابلة صحافية في شهر، وصار الذين يحضرون مؤتمراته الصحافية أكثر من الذين يحضرون عظاته الدينية، بينما القصة ببساطة لم تكن سوى حماقة يرتكبها سفيه اتفق كثيرون من قومه وجماعته على وصف عمله بالجهل، حتى ابنته قالت عنه إنه مجنون.

مثل هذه القصص تحمل عادة جانبين، الجانب الأسود وهو وجود سفهاء في كل مجتمع يعتاشون على الأحقاد وعلى استفزاز الآخرين واعتبار هذا الفعل شجاعة، أما الجانب الأبيض فهو أن هذه الأحداث تجعلنا نلمس رقي المجتمعات في ردود أفعالها، منها ظهور رؤساء مثل أوباما ورئيس وزراء بريطانيا اللذين نددوا بهذه التصرفات، وإن فسرها البعض أنها مواقف سياسية، فإن مواقف مماثلة لا تبدو كذلك تجلت في موقف الإعلام أمثال قناة laquo;سي أن أنraquo;، و laquo;فوكسraquo;... وغيرها، التي أعلنت أنها ستمتنع عن تغطية حرق القرآن لأن هذا التصرف يسيء لمشاعر المئات، وأن حرية النشر تتضمن أيضاً حرية عدم النشر، كما قام أساتذة وطلبة جامعيون في فلوريدا بالرد على صاحب حملة (الإسلام هو الشيطان) بحملة مضادة تقول (الجهل هو الشيطان).

مثلما يتورط الإعلام الغربي بهمزات وأخطاء نتورط نحن أيضاً، لكن مشكلتنا نحن ليست في الورطات بل في معالجة مثل هذه الورطات، فأول ما نفعله حين نشهد ردود أفعال حادة على حرب طائفية أو دينية هو إخراس العقلاء منا ودعاة السلام والتأني، بحجة عدم التصدي للشارع والوقوف في وجه الغوغاء الذين لا يريدون أن يسمعوا صوت العقل، وهذا أسوأ ما في حملاتنا. قصص إهانة المقدسات دائماً تؤخذ على أنها قضية مطلقة لا بد من الموت في سبيلها وليست سلوكيات فردية من سفهاء، أقل ما يمكن عمله هو تجاهلها أو مواجهتها قانونياً عبر منظمات ومؤسسات لا من طريق أفراد لا يمكن التنبؤ بردود أفعالهم. ومثلما يتورط سفهاؤهم باستفزاز الناس فإننا نتورط بتسميم الشارع الذي تختلط فيه النيات والأهداف، وتأخذ مساراً بعيداً من الهدف.

وأقول في النهاية إنه بقدر ما سمعت وشاهدت رؤساء وإعلاميين وأساتذة جامعة وأفراداً تحدثوا باسم حماية حقوق الناس واحترام الأديان والقانون ونبذ العنصرية في المشهد الغربي، فإننا للأسف لا نرى ما يماثلهم في المشهد الإسلامي، فكلنا نتراجع بحجة عدم الوقوف في وجه غضب الشارع الأحمق، من دون أن نعترف أن الجهل هو صناعة تم إنجازها ورعايتها من قبلنا لتظهر في المناسبات كما هي عليه اليوم. وفي النهاية نحن لا ندافع في المناسبات عن حقنا بأن يحترموا مقدساتنا مثلما نحترم مقدساتهم بل من منطلق أن هذا حقنا وحدنا، ففي ذكرى مرور عشر سنوات على أحداث ١١ ايلول لا يزال هناك في العالم الإسلامي من يشكك ويبرر بأن ما حدث هو خطأ راح ضحيته أبرياء، ثم نقول إن الغرب يكيل بمكيالين.