Edward Haley Christian Science Monitor
صحيح أن هناك عقبات جسيمة، لكن لا يسعنا التقليل من أهمية حسنات إجراء حوار بشأن القتال، فمحادثات السلام تبطئ عمليات القتل، وتساهم في تقدم المجتمع المدني، وقد تغير القوى المحركة في المنطقة لمستقبل أكثر استقراراً.
يستحيل معرفة إن كانت الدورة الأخيرة من المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، التي انطلقت في الثاني من سبتمبر في واشنطن، ستفضي إلى السلام، فثمة عوائق هائلة، من بينها السياسة المحلية في إسرائيل التي تحركها حكومة بقيادة أحزاب قومية محافظة ودينية. التفاوض مع الفلسطينيين بالتالي بمنزلة لعنة لكثيرين في هذا التحالف الهش، وداعميه.
في المقابل، يشهد الفلسطينيون انقساماً عميقاً جداً إلى حد أنهم يحكمون مناطق جغرافية مختلفة وكل منهم يعارض الآخر بقدر ما يعارض إسرائيل.
في الوقت عينه، يشير أميركيون كثر إلى الإخفاقات الماضية ويحذرون من أي تنازلات مستقبلية، على حد قولهم، بعد أن باتت إسرائيل تعيش اليوم في أمان نسبي، لمَ إجبارها على اتخاذ خطوات قد تحول الضفة الغربية الهادئة نسبياً إلى منطقة شبيهة بغزة أو لبنان؟
التحاور عوضاً عن القتال
تلك هي الطريقة الاعتيادية لتعداد المخاطر في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، إلا أنها تتجاهل منافع التحاور بدلاً من القتال، فهي كثيرة جداً إلى حد فاقت تحفّظات الجانبين وأقنعتهما بقبول دعوة الرئيس أوباما إلى الحوار.
تتمثل المنفعة الأولى والأهم لمحادثات السلام في تباطؤ عمليات القتل، فأولئك الذين يفترضون بأن الهجمات الإسرائيلية وضعت حداً لتلك الفلسطينية نسوا حصيلة العقد الماضي، وفق أدنى التقديرات، منذ أن انطلقت الانتفاضة الثانية في عام 2000، قُتل أكثر من 700 إسرائيلي بسبب الهجمات الفلسطينية، بينما قضى أكثر من 6300 فلسطيني نتيجة الهجمات الإسرائيلية.
ثانياً، تروّج المفاوضات للتنمية الاقتصادية والسياسية السلمية، فخلال منتصف تسعينيات القرن الماضي، شجعت عملية السلام في أوسلو على إطلاق مبادرات اقتصادية ثنائية الجانب مثل شركات المحاصة الإسرائيلية الفلسطينية، والتي دمر معظمها بفعل الحروب اللاحقة.
ثالثاً، مع تواصل المحادثات، ستنشأ شبكة قيمة من المجتمع المدني بين العرب واليهود، وتوحد بين أطباء الأسنان، والأساتذة، وخبراء المياه، والمزارعين، وغيرهم ممن ينضم أحدهم إلى الآخر للحصول على منافع متبادلة بغض النظر عن الهوية، يُذكَر أن هذا النوع من التجمعات العفوية ساهم إلى حد كبير في إحلال السلام في إيرلندا الشمالية، لكنه يضعف في وجه العنف والحرب.
رابعاً، تشدد محادثات السلام على الامتناع عن شن هجمات والقيام بردود انتقامية، وبهذه الطريقة، تخفف المفاوضات الخوف والريبة اللذين يحضان على قيام حركات أصولية- مثل 'حماس' و'حزب الله'- وُلدت من رحم النزاعات وباتت أقوى معها.
إيجاد الوحدة الداخلية
تساهم محادثات السلام ومناخ ضبط النفس الذي تغذيه أيضاً في خدمة أهداف أخرى أقل وضوحاً، ويقول مسؤولو السلطة الفلسطينية سراً إنهم لن يتمكنوا من تخطي التحديات التي تفرضها حركة 'حماس' السياسية المنافسة (منظمة إرهابية في نظر واشنطن) إلا إن أمكن إيجاد طرق لتحسين عيش الفلسطينيين في الضفة الغربية، فمستوى المعيشة هناك لم يعد بعد إلى المستوى الذي كان عليه في عام 2000. فضلاً عن ذلك، تدير السلطة الفلسطينية راهناً عجزاً في الميزانية بنسبة 60 في المئة، ويبلغ معدل البطالة نحو 20 في المئة. لا تستطيع هذه السلطة بالتالي أداء مهامها إلا بفضل المساعدات الدولية التي يأتي معظمها من الغرب.
أما بالنسبة إلى إسرائيل، فيتمثل مكسبها الفوري من انطلاق المحادثات في تراجع عزلتها الدولية. يبدي الإسرائيليون عبر الطيف السياسي برمته استياءً إزاء ما يعتبرونه انحيازاً عالمياً ضدهم، لكن علاقاتهم مع الحكومات الأخرى، لاسيما تلك الصديقة لهم سابقاً مثل تركيا، تضررت بسبب الإجراءات الأحادية الجانب الظالمة التي تتخذها إسرائيل.
لذلك قد يعكس استئناف محادثات السلام أيضاً رغبة إسرائيل الشديدة في إيجاد حل نهائي لصراع قد يعزل الجيل المقبل من اليهود الأميركيين عن نظرائهم الإسرائيليين.
انقسامات عميقة بين الإسرائيليين
أدت أعمال العنف على مدى عقود من الزمن إلى ظهور انقسامات حادة بين الشبان الإسرائيليين ودفعت بالكثير من هؤلاء إلى تبني وجهات نظر تتعارض مع القيم الديمقراطية. بحسب استطلاع للرأي أجرته جامعة تل أبيب أخيراً، سيرفض 48% من طلاب الثانويات الإسرائيلية الأوامر المباشرة بإخلاء المستوطنات في الضفة الغربية، بينما يقول نصف هؤلاء تقريباً إن عرب إسرائيل غير مخولين للحصول على الحقوق عينها التي يتمتع بها اليهود في إسرائيل.
في المقابل، وفق الدراسات التي أجراها المستطلع فرانك لانتز، وستيفن كوهين من كلية الاتحاد العبري، وآري كيلمان من جامعة كاليفورنيا في ديفيس، تشير الآراء بين اليهود الأميركيين غير المتشددين إلى قلة مبالاة متنامية تجاه دولة إسرائيل فضلاً عن توق شديد إلى السلام أكثر منه إلى انقسام. تلك هي عواقب سنوات من العنف والمواجهة على المدى الطويل، لكنها مؤشرات لا يستطيع القادة الإسرائيليون تجاهلها.
أما في نظر إدارة أوباما، فلا تسجل المحادثات ذروة جهود مضنية مكلفة سياسياً بُذلت على مدى نحو عامين فحسب، إنما تتيح أيضاً فرصة نادرة لتغيير القوى المحركة في المنطقة بعيداً عن الحرب والإرهاب، ما يقلص المناخ المتأزم الذي يغذي الأصوليين. وإن نجحت المحادثات، فقد تتسع عملية السلام لتشمل لبنان، وسورية، والعراق، وحتى إيران.
ليس من الضروري أن تحل المحادثات كل مشكلة على الفور من أجل تحسين وضع الإسرائيليين والفلسطينيين، لكن إن فشلت الأطراف في التحرك بشكل مقنع باتجاه السلام، فستتبدد منافع الحوار بسبب القتال.
* أستاذ في الدراسات الاستراتيجية الدولية في كلية كليرمونت ماكينا في قسم مؤسسة و. م. كيك، شارك في تأليف كتاب Strategic Foreign Assistance: Civil Society in International Security.
التعليقات