سعد بن طفلة العجمي


الذكرى التاسعة لهجمات سبتمبر هذه المرة لم تكن كسابقاتها. فقد تزامنت الذكرى مع مسألتين أثارتا الجدل واستحوذتا على الأضواء في الإعلام العالمي. واحدة حول قس متطرف بولاية فلوريدا يقود أتباعاً لا يتجاوزون في أحسن التقديرات ثلاثين شخصاً، اسمه تيري جونز أصبح quot;نجماًquot; إعلاميّاً وشخصية مشهورة بعد تهديده بحرق نسخ من المصحف الشريف، ولكنه تراجع عن حرقها بعد نداءات رئيس الولايات المتحدة له، وما قد يجره تصرفه من أخطار على الجنود الأميركيين العاملين خارج الولايات المتحدة، وقد اتصل بالقس الموتور كذلك وزير الدفاع الأميركي روبرت جيتس هاتفيّاً، ولا نعلم ما دار في المحادثة بينهما، ولكن نستطيع الجزم بأن الوزير حاول استثارة المشاعر الوطنية لدى القس لثنيه عن نيته الحمقاء بحرق نسخ من المصحف الشريف.

وفي المقابل، كانت المسألة الثانية مركزاً إسلاميّاً يزمع المسلمون بناءه في مدينة نيويورك بالقرب من مكان موقع برجي مركز التجارة العالمي اللذين فجرهما إرهابيو quot;القاعدة. وقد أثار المركز -ولا يزال- جدلاً في أوساط الأميركيين، فمنهم من يرى أنه استفزاز لمشاعر أقارب الضحايا، ورمزية لانتصار الإرهاب -والمقصود هنا المسلمين- على الولايات المتحدة الأميركية، وسيبقى هدفاً في المستقبل لمتطرفي الولايات المتحدة وتيارها اليميني الذي وجد في هذا المركز مادة لتأجيج الشارع الأميركي ولتأليب الرأي العام على الرئيس أوباما بتأييده بناء هذا المركز من منطلق إيمانه بمبادئ الليبرالية الديمقراطية وحرية ممارسة الطقوس الدينية في أميركا العلمانية. بل إن المركز الإسلامي هذا أصبح جزءاً من خطاب الانتخابات البرلمانية القادمة التي ستجري في نوفمبر القادم، وquot;دليلاًquot; على صدق ادعاء خصوم الرئيس أوباما بأنه quot;مسلمquot;، وإلا ما كان ليسمح ببناء المسجد لو كان حقاً مسيحيّاً!

بعض المسلمين الأميركيين يرون من الحصافة التخلي عن بناء المركز في هذا المكان بالذات، وقطع الطريق على المتطرفين الذين يؤلبون العامة ضدهم، والتصريح بأن تغيير موقع البناء هو رسالة تسامح إسلامية وتضامن مع أهل الضحايا تقديراً لمشاعرهم. وبعض آخر لا يرى علاقة بين المركز الديني والهجمات الإرهابية التي قتلت كثيراً من المسلمين العاملين بمركز التجارة العالمي، كما أن تغيير موقعه يعد إقراراً بوجود علاقة بين الإسلام والإرهاب وهو ما يرفضه المسلمون جميعاً. أما قلة مسلمة متطرفة فترى في بناء المسجد في موقعه هذا بالتحديد انتصاراً للإسلام وإهانة لـquot;أميركاquot; التي ضربها quot;المجاهدونquot; في عقر دارها، وهدموا رمزاً من رموزها وبنوا في مكانه (أو بالقرب منه) بيتاً من بيوت الله!

لكن المؤمنين بقيم الليبرالية الديمقراطية يرون عكس رأي المتطرفين تماماً، فهم يرون أن بناء المركز الإسلامي في مكانه المزمع هو انتصار للمبادئ التي تقوم عليها الولايات المتحدة الأميركية، وأهمها حرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية بكل حرية في أي مكان يسمح به القانون، وبما أن بناء المركز سيتم وفق القانون، فإنه حق للمسلمين وصفعة في وجه الإرهابيين الذين حاولوا ضرب المبادئ الأميركية، وتصدٍّ لهجمة تيار يميني متشدد تقوده حركة quot;حفلة الشايquot; التي ظهرت بعد انتخاب أوباما عام 2008 رافعة شعار استعادة أميركا وإعادتها لما يجب أن تكون عليه، ومتخذة اسماً ذا وقع وطني تاريخي في نفوس الأميركيين، فـquot;حفلة الشايquot; تعود لأيام استعمار بريطانيا لأميركا، ورفض العمال فرض ضرائب على الشاي من قبل التجار الإنجليز فألقوا حمولات الشاي في ميناء بوسطن مشعلين بذلك بداية الثورة الأميركية ضد الاستعمار الإنجليزي.

انتصرت في معركة المسجد وحرق المصاحف قوى العقل والإيمان بالحرية والديمقراطية فلا مكان للتطرف في دول تحمكها النظم المدنية، ولا مكان للنظرة الأحادية في الحكم على الأشياء، فعالم اليوم لا يحتمل سوى التعددية والحرية