حسين شبكشي

يأبى المشهد اللبناني إلا أن يتسرب إلى عناوين الأخبار والصفحات الرئيسية، فها هو مشهد جديد من الخلافات البينية اللبنانية يتجدد (وما الجديد في ذلك؟) من وقت خطاب زعيم حزب الله حسن نصر الله الذي كان مليئا بالوعيد والنذر والتهديد بحق معارضيه ومناصري المحكمة الدولية ومن بعدها laquo;انفلتraquo; العماد ميشال عون يمينا ويسارا ضد الأجهزة الأمنية الرسمية بالحكومة اللبنانية التي شرعت في التحقيق مع أحد أهم مساعديه وأحد أهم عناصر تياره السياسي بتهمة التآمر والتجسس لصالح إسرائيل، علما بأن الرجل المتهم قد أقر واعترف بالتهمة فور اعتقاله. والآن ها هو مدير الأمن العام الأسبق اللواء جميل السيد يهدد laquo;بأخذ حقه بيدهraquo; من سعد الحريري وحكومته بعد سلسلة من البيانات والخطابات والتصريحات والتعليقات الموتورة التي لا غرض منها سوى إثارة البلبلة داخل بلد ممزق ومليء بالفتن أساسا. المدهش في كل هذه التصريحات أنها تأتي لصالح إقفال طريق المحكمة الدولية كما يبدو من ظاهرها، ولكن، حقيقة، هي كلها تتجه لوأد تيار المستقبل وطبعا الحكومة الحالية وشلها تماما بإفقادها لعناصر وفعالية وأدوات النجاح كجهاز إداري. حسن نصر الله يستشعر أن كافة اتجاهات المحكمة الدولية تتجه وبقوة نحو إدانة حزب الله وأطراف فيه كما يبدو من التسريبات الإعلامية والتصريحات السياسية وبالتالي تزداد نقمة تصريحاته باتجاه الحكومة اللبنانية في شخص رئيس وزرائها على اعتبار أن سعد الحريري هو المسؤول عن هذا التصعيد لأنه ولي دم والده وبالتالي بإمكانه التنازل عن ذلك الشأن في سبيل إنقاذ البلد من الفتنة، وهذا فهم قاصر لأن المحكمة الدولية أصبحت مسألة بيد مجلس الأمن وليست قضية شخصية يحسمها من تربطهم بها علاقة، وهذه مسألة جوهرية يكابر ويعاند بعض الأطراف اللبنانية في فهمها. أما العماد ميشال عون فالعمر يمضي به وحلم الوصول إلى رئاسة الجمهورية وسكن laquo;بعبداraquo; بات بعيدا وهذا يجعله مضطربا في كلامه وقراراته، وطبعا موضوع تورط أحد أهم مساعديه في قضية تجسس لصالح إسرائيل (وسط تحالفه مع رمز المقاومة الأول في لبنان المتمثل في حزب الله) يحرجه ويورطه سياسيا، ويأتي ذلك وسط تزايد التعاطف الشعبي والدولي مع دور الرئيس ميشال سليمان واحترام توجهاته وخطه العقلاني. أما جميل السيد الذي كان يحضر وبهدوء ليكون الرئيس القادم للبرلمان اللبناني خليفة لنبيه بري، وبالتالي يتوج مسيرته الأمنية وولاءه لخط سياسي معين بمنصب عال.. كل ذلك يبدو واضحا أنه تبخر وطار في ظل ورطته الأمنية والتحقيقات التي طالته في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري. هذه المواقف تؤكد أن قضية لبنان الأساسية هي اضمحلال مؤسسات الدولة وتفوق laquo;الشخصيraquo; على laquo;السياسيraquo; فيها وأن اختلاط هذا المفهوم هو سبب اختلال الأولويات السياسية في هذه التركيبة الهشة والرقيقة. زعماء السياسة في لبنان تعدوا رصيدهم الشعبي ومكانتهم أمام الجماهير وباتوا أقرب لبهلوانات في السيرك السياسي تتغير حركاتهم بحسب اليوم المحدد من الأسبوع. نسب الاستثمار في لبنان تدنت ومعدلات الهجرة منه عادت للارتفاع والاختناق السياسي واضح وخطير والشحن النفسي بين الفرقاء إلى ازدياد وبشكل واضح. كل ذلك سيجعل من التدخلات في الشأن اللبناني من أطراف خارجية مسألة مستمرة وطبعا مقبولة لأن اللبنانيين سمحوا بذلك وتعودوا عليه وأصبح ذلك الآن جزءا من الهوية السياسية وطوق النجاة لهم. الأجندة السياسية للزعماء في لبنان تتضارب وتتصادم بشكل مباشر مع الأولويات الوطنية والمصالح العامة للبلد وهذا بحد ذاته سبب في استمرار الأزمات اللبنانية التي لن ينصلح وضعها عن طريق من تسببوا فيها.