محمد صلاح الدين

قد لا يعلم الكثيرون، أن المواطن الأمريكي أيًّا كان عسكريًّا أو مدنيًّا، لا يمكن أن يخضع لأي محاكمة في أي بلد في العالم إلاّ أمام القضاء الأمريكي، مهما ارتكب من جرائم حرب، أو إفساد في الأرض، كما يحدث طوال السنوات الثماني الماضية في أفغانستان والعراق، وآخر ذلك قتل بعض الجنود الأمريكيين لبعض المدنيين العراقيين، والاحتفاظ بأجزاء من أجسادهم كتذكار، ومحاكمة جنود آخرين أصابهم الملل والسآمة، فقرروا التسلّي بقتل بعض العراقيين المدنيين وقطع آذانهم وأنوفهم. * * * ذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تعترف بالمحكمة الجنائية الدولية، ورفضت منذ تأسيسها التوقيع على اتفاقيتها، ووقعت مع الكثير من دول العالم اتفاقيات بحصانة مواطنيها، مهما ارتكبوا من جرائم وفظائع، ورغم ذلك فهي تدير هذه المحكمة الدولية من وراء ستار لخدمة سياساتها ومطامعها. في المقابل فإن رئيسًا عربيًّا مسلمًا هو الرئيس السوداني عمر البشير، لا يتمتع بهذه الحصانة الدولية، التي يتمتع بها أقل مواطن أمريكي، فضلاً عن الإسرائيلي، وهو في نظر هذه المحكمة المهزلة مجرم حرب دولي مطلوب القبض عليه، ممّا يجعل ما يعلنه المسؤولون الأمريكيون عن جهود واسعة لتحسين العلاقة مع العالم العربي والإسلامي، نوعًا من المسرحيات الهزلية التي لا تطابق الواقع، ولا تتفق مع سلوك السياسات الفعلية. * * * في القاهرة، كان البند الرئيسي أمام اجتماع المجلس الوزاري لجامعة الدول العربية الأسبوع الفائت، مناقشة ورفض قرار الدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية بتوقيف الرئيس السوداني عمر البشير، والتضامن معه، وقالت مذكرة الجامعة العربية إن هذا الطلب يأتي ليعبر عن مدى التضامن العربي مع السودان، ودعمه في مواجهة قرار المحكمة، واستكمالاً لقرارات التضامن العربية التي صدرت سابقًا، حيث اعتبرت القمة العربية قبل الماضية بالدوحة، عبر قرار وبيان صادرين عنها، اعتبرت هذا القرار سابقة خطرة تستهدف رئيس دولة، لا يزال يمارس مهام منصبه ويعد خرقًا لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لسنة 1961، ولقواعد القانون الدولي العرفي، ومطالبة القادة العرب بإلغاء الإجراءات المتخذة من قبل الدائرة التمهيدية، وداعية الى تقييم الموقف العربي من المحكمة، وعدم تجاوب الدول العربية مع إجراءاته في حق الرئيس السوداني. ليس هذا كافيًا بكل تأكيد، ونحن نرى جرائم الحرب الدموية في مشاهد يومية في فلسطين والعراق وأفغانستان، ممّا يمثل أبشع فصول إرهاب الدولة في العصر الحديث، والمأمول أن تنضم منظمة المؤتمر الإسلامي إلى الجامعة العربية، في وقفة دولية حاسمة لإيقاف هذه المهزلة التي يريدها الأمريكيون سيفًا مصلتًا على كل من لا يوافق سياساتهم، أو يقاوم أطماعهم، ممّا نراه على امتداد الوطن العربي والإسلامي.